
صفقة تبادل الأسرى، نظرة موضوعية شاملة على الحرب
الشعب نيوز:-
كتب: يزن عيد الحراحشة
تتكاثف الأنباء حول الصفقة المزمع توقيعها في شرم الشيخ للمرحلة الأولى من خطة ترامب، تلك الخطة التي أذعن لها النظام العربي، ويبدو أنها بشكل أو آخر ستكون واقعا لا مفر منه، في هذا المقال سأتجاوز الحالة الشعورية الانفعالية محاولا تفكيك المشهد بعين الموضوعية بتوزين الأحداث والبنود للخروج بصورة نهائية واضحة للقارئ.
بداية فإننا إذا تجاوزنا المجاملة، وحللنا المضمون معياريا، فإن ما حصل من كواليس توقيع المرحلة الأولى لترامب بالإضافة إلى البنود خاصتها فسنجد أن الاتفاقية هذه تحمل الحركة مسؤولية كل ما حدث، وتقر لها كونها فاقدة للشرعية معدومة المستقبل، وتعترف للكيان بكونه “دولة” قامت بالدفاع عن نفسها، كما أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تفاوض بظروف سيئة نسبيا للجانب الفلسطيني، عداك عن الدعم الأمريكي المطلق للكيان، تزامنا مع خضوع عربي لأمريكا، أما من حيث الظروف الحالية، فأوجز:
أولا: عدد الأفراد المتبادلين
شهد تاريخ الصفقات تفاوتًا كبيرًا في الأرقام؛ ففي صفقة جبريل عام 1985 أُفرج عن 1151 أسيرًا فلسطينيًا بينهم 380 محكومين بالمؤبد مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين أحياء، أما صفقة فتح عام 1983 فقد شملت 4700 أسير، وفي صفقة حزب الله عام 2004 أُطلق سراح 436 أسيرًا فلسطينيًا ولبنانيًا وعربيًا مقابل ثلاث جثامين وضابط إسرائيلي سابق، ثم جاءت صفقة شاليط عام 2011 لتفرج عن 1027 أسيرًا، منهم 450 من حركة حماس و279 محكومين بالمؤبد، مقابل جندي إسرائيلي واحد حي، أما اتفاق أوسلو فقد ترتب عليه بشكل أو بآخر الإفراج التدريجي عن نحو 9000 أسير، وفي المقابل، تشير المعطيات الحالية إلى أن الصفقة الجارية بعد حرب استمرت عامين تتضمن الإفراج عن نحو ٢٠٠٠ أسيرًا فقط، وهو رقم يُعد الأدنى نسبيا مقارنة بالصفقات السابقة، حيث أن عدد المفرج عنهم من الجنود سيكون 33 جنديا.
ثانيا: ظروف التسليم
وفقًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، ولا سيما الاتفاقية الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، والاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، فإن تبادل الأسرى والرهائن يجب أن يتم في إطار احترام الكرامة الإنسانية وعدم استغلالهم كورقة تفاوض أو انتقام، فيما نرى تنكيلا إسرائيليا بالأسرى الفلسطينيين يبث علانية لوسائل الإعلام بينما لا مجال لفعل أي من هذه الأفعال بحق أسراه في القطاع.
ثالثا: تحميل المسؤولية
ما زال العالم يتعامل مع الكيان بكونه دولة كاملة الشرعية بالكاد يحمل بعض المتنفذين فيها مسؤولية الإجرام، فيما أصبح الاتفاق شبه تام على انعدام الأفق السياسي لحركة حماس وبدا الأمر واضحا في تصريحات موسى أبو مرزوق الأخيرة، والعجيب في هذه المفارقة هو أن قرار بدء الأحداث اتخذ في القطاع بصورة شبه فردية من قادة 3 رحلوا جميعا، حتى أن الإعلام الإيراني أنكر معرفة إسماعيل هنية بنوايا الهجوم قبل حدوثه، بينما القرار الإسرائيلي كان يتخذ في جميع المراحل بشكل مؤسسي شامل على مستوى النظام السياسي كاملا، وهو ما يفترض تحميل نفس النظام تبعات كل أفعاله، لا توزيع الدم بين عدد من العسكريين والسياسيين، حتى أن نتنياهو -محمل الذنب- نفسه كان على وشك السجن بتهم فساد قبل الأحداث كلها، أي أن التضحية به -إن حصلت- لن تكون خسارة محورية للكيان.
رابعا: أثر الدمار
رمم الكيان أغلب دماره وعالج جراحه، حتى أنه ومنذ شهور لا يشغله إلا الحالة النفسية لمجرميه العائدين من الحرب، ولا يبدو أنه يواجه أزمات اقتصادية حقيقية بالذات مع سلاسل إمداده العالمية، بل وتنفعه القادم من عملية الإعمار التي يبدو أنه لن يتكلف منها شيئا رغم تسببه في الدمار نفسه!
في الطرف الثاني نجد أن كمية الدمار في البنى التحتية وأعداد الشهداء في القطاع تفوق المتخيل، عداك عن مئات الآلاف من المصابين بإعاقات جسدية وعلل نفسية لا يخضعون للعد والتقييم حتى وهذا بشكل أو بآخر ينبه للصورة التي تبدو عليها موازين القوى هل الأرض.
ما بعد التبادل
الخطوة القادمة والأفضل بالنسبة للكيان لاستمرار تعافيه ستكون -من منظوري ضمن الوقائع- جولة إقليمية غالبا مع إيران وذلك لتخفيف الاحتقان الدولي تجاهه بعودته لصورة “الدولة المدنية في واحة الشر”، بالإضافة لتركيز العمل لتثبيت القدم في سوريا التي بشكل أو بآخر يُسحب منها مفهوم الشرعية السياسية لتعود أرضا للاستيطان، ومن ثم تحسين الصورة العالمية للكيان بإعادة خرطه وللأسف من البوابة العربية عن طريق قمة شرم الشيخ بحضور المجرم الأول شخصيا.
بالنسبة للوضع في القطاع فنحن نتجه ربما شئنا أم أبينا لتكريس مفهوم يد البطش الإسرائيلية وديموتها كخيار قمعي دائم قد يتحكم في المصير الوطني الفلسطيني، عداك عن الحتميات الداخلية القادمة في القطاع وأهمها ما يبدو كحالة احتقان عارم بالذات بين المكونات الغزية الأصلية والفصائل في القطاع.
بشكل أو بآخر نتحدث عن حالة عامة مؤسفة جدا، فأمامنا قطاع مدمر محتقن مثخن بالجراح ومليء بالجواسيس والجماعات الانفصالية، وحكومة محلية فقدت شرعيتها الدولية وصار للكيان “أحقية” استهداف حتى عناصر الدفاع المدني والصحفيين، وكل هذا في مناخ فلسطيني غير مستقر على الإطلاق ومليء بالفوضى، وهذا في مجابهة كيان مؤسسي يمتلك الأدوات الداخلية لتصريف الأمور وحل المشاكل.
في الختام.. للأسف يمكنني القول وبملء الفم أن القادم سيء، ولا يبدو أبدا أنه سيحمل بشريات على صعيد القضية، وكل ما نقوم بضخه من مشاعر وأمنيات وأحلام لن يجدي نفعا ما لم يكن هنالك قرار صدام عربي مشترك لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني، وهذه الأخيرة مستبعدة أيضا.