
بنت الجيران عاطف أبو حجر
الشعب نيوز:-
في حياتنا قصص تُروى للأحفاد، وأخرى تُخفى خوفًا من العيب أو السخرية. أما قصتنا مع “بنت الجيران” فلا تصلح لا لهذا ولا لذاك… فهي مزيج عجيب من حبٍّ طفوليٍّ من طرفٍ واحد و”مسرحية عبثية” لم يكتبها توفيق الحكيم ولا سعد الله ونوس، بل كتبناها نحن بعرق الجبين ووجع الكرسي المكسور.
كنتُ أنا وصديق الطفولة “فلان” نعيش قصة عاطفيةً بطلتها جارتنا التي لم تكن تعرف أصلًا بوجودنا. كانت تصعد إلى سطح منزلها لنشر الغسيل، أما نحن فكنا نصعد معها… ولكن بالخيال!
صديقي كان يقف على سطح بيتهم متمسكًا بالماسورة المثبت عليها “انتين”هوائي التلفزيون، يمسك مشطًا ويسرّح شعره كأنه عريسٌ في ليلة العمر، وأنا، بجرأةٍ منقطعة النظير، كنت أجلس على معرش دالية دار عمي المطل على بيتها، أضع رجلًا على رجل، وأتأمل، وبيدي مرآةٌ تعكس ضوء الشمس قبل أن نعرف الليزر… إلى أن قرر الكرسي أن يضع حدًا لمسرحيتي، فسقط بي ومعه سقطت مشاعري الطفولية.
لكن الحب لا يعرف الاستسلام. جاء يومٌ عظيم حين جلب أحد جيراننا حمولة “رمل صويلح”. تخيّلوا طفلين يختاران الأحجار الملونة، يطحنانها، ثم يملآن بها زجاجات شفافة، ويضع كلٌّ منا صورته داخل الرمل! بعدها نسلمها لشقيقها الصغير ليضعها فوق ثلاجة مطبخهم… “عشان الحبيبة تتصبح وتتمسى بوجوهنا”. هل هناك جنون أعظم من هذا؟ ربما…
وفي يومٍ آخر قررنا أن نكون “أكثر دهاءً”، فكسرنا خطَّ الماء الموصل إلى بيتهم، ثم طرقنا باب والدها بوجه بريء:
هكذا دخلنا بيتها، لا كضيوف، بل كمهندسين من شركة المياه العاطفية.
الحقيقة أن الحبيبة لم تُعرنا يومًا أي اهتمام. لم تبتسم، ولم تُلقِ حتى نظرة شفقة، كأنها تقول: “يا أولاد… روحوا العبوا بعيد”. ومع ذلك، بالنسبة لنا، كانت هي “فاتنة الحارة”، و”أسطورة السطح”، و”مُلهمة الرمل والزجاج”.
واليوم، بعد مرور السنين، لا يسعني إلا أن أضحك من طيبتنا وبساطتنا. طفلان يتنافسان على قلب فتاة لا تعرف بوجودهما، ويظنان أن مشطًا وزجاجة رمل وخط ماءٍ مكسور كفيلة بكتابة قصة حبٍّ خالدة.
كنا نظن أن الحب يحتاج خططًا عسكرية ومهارات هندسية خارقة. وفي النهاية اكتشفنا أن كل ما فعلناه كان عبثًا.
الكون يقول لنا: “تعالوا يا أطفال، قدموا قصة حبكم على مسرح خيالكم الذي لا أحد يشاهده!”
لكن، صدّقوني، رغم السخرية، تلك اللحظات كانت أجمل من كل قصص الحب الحقيقية، لأنها ببساطة كانت حبًّا بريئًا في زمنٍ جميل، ومن طرفٍ واحد.