
ياسر أبو شباب، كيف حالك؟يزن عيد الحراحشة
الشعب نيوز:-
يفتح ياسر عينيه ليتحسس الرصاص وقد قام بأحق ما قد يقوم به، يعد الرصاصات متألما مستذكرا الفواتير التي جلبها به، يلفظ شيئا من التمتمات ويرسل عينيه في الأرجاء باحثا عن رفاقه، يتحسس اللاسلكي محاولا مهاتفة الضابط المسؤول عنه من جنود المحتل، ترتجف ييه منهيا كتابة ما يريد: ليأتي الرد بالعبرية الجافة: “الرقم المطلوب يقوم بجرائم الحرب الآن”.
يسأل نفسه: ماذا جنيت الأن؟
يعد الشيكلات في جيبه ويلعن الوعود التي صدقها بالحكم والملك والحياة الرغيدة وتقاعدات الريفيرا والبذخ، ويعجب من أحلام الخلود كبطل، ويستدرك على نفسه:
” لا لا، هذا مصير القادة، شهادة ومجد، وحالي ليس أسوأ من مئات من قضوا من الناس في محاربتي ومن خلفي الجنود زرق العيون!
أي نعم، أنا خالد ماجد، والإعلام المدفوع يبث مناقبي
كسف سأُرمى بالخسة وقد لفني علم فلسطين العربية الذي لف القادة والشهداء؟
مصيري لا ريب فيه، عظيم إلى عظيم”.
قاطعه تدافع أصوات المشيعين المكفنين إياه بالتسابيح والتهليل وطلب المغفرة، تتسارع -على مضض- خطواتهم المثقلة بقيود العمالة ليوصلوه إلى مثواه الأخير، إلى ارض يبكيها أهلها كل صباح ومساء بينما تدوسها وتهتك براءتها أقدام المستعمرين كلما شاءت، ويأخذ موضعه هناك حيثما يناسبه: تراب معجون بدم الشهداء المظلومين ومدنس الوجه بغبار أقدام العدو، مكان مناسب مستحق للخلود!
يحشر الجسد الهالك في أحشاء الأرض، يزج فيها مرغمة، ينهال عليه التراب ويودع بطلبات الرحمة، ويخيم الصمت المرعب في قعر حفرته، يتذكر ما سمعه عشرات المرات أثناء عمله مع رفاقه من الجماعات التكفيرية ومدمني المخدرات ومكرري الجرائم، يتذكر تضخيم القصص عن عذاب القبر ووحشته، يستحضر ذهنه منكر ونكير والمخالب الحادة والشعور الطويلة ورؤية المصير، يبدأ التحضير مرددا: “الله ربي، الله ربي، محمد نبيي، الإسلام ديني”. يجمع كل رباطة جأشه وشكيمته، هو جاهز لدرجة لم يتجهز لها حتى لأوامر ٨٢٠٠ مشبقا.
ألم فظيع يدب في خاصرته، يشعر وكأنها عصا موسى أو جناح جبريل، كبده يٌهرس وأحشائه تمضغ نفسها، يدب فيه الهلع، هل حل العذاب، هل هذه قيامتي؟ وهل هذا رمح منكر أم سيف نكير؟!
يمد يده بحذر ليتحسس الطعنة، ليعرف صاحب القدرة المطلقة والشراسة الجبارة، يشعر بملمس ذكره بريح من الطفولة وذكريات تراكمت فوقها معلبات تل أبيب من فاكهة ولحوم مصنعة:
“جذور زيتون! كيف لزيتونة لعينة سهلة القلع أن تهتك كبدي وتستوطن جيفتي، من زرع الفاتلة هذه هنا؟ وأي سرعة هذه؟!”.
تتعالى ضحكات الاطفال في الأعلى، تمتزج روعة الطفولة بالخبث البريء بعد تجاوز الخط الًأصفر تنفيذا لرهان بزرع فسيلة في تربة فلسطين مقابل قطعة بسكويت من فرن حجري، يشتم ياسر كل شيء، يشتم بالعربية والعبرية لاعنا رفاقه على عدم الحذر الليلة، تمضي الجذور وشعيراتها في طريقها إليه سمادا دسما، يتلاشى ببركة الأرض وتاريخها حتى تُنسى الجيفة.
صوت ملائكي خافت مرعب يملأ ثنايا الجذور وقد امتلأت من المخلفات العضوية: ياسر أبو شباب، كيف حالك؟