
من ينصف الهيئات الثقافية في الأردن؟
الشعب نيوز:-
اجتمع عدد من رؤساء الهيئات الثقافية الأردنية من مختلف محافظات المملكة في لقاء اتسم بوضوح الطرح وهدوء الغضب، لكنه حمل في مضمونه شعورًا عميقًا بالتهميش وغياب الشراكة، وطرح أسئلة مؤجلة منذ سنوات حول موقع الهيئات الثقافية ودورها في السياسات الثقافية الرسمية.
تعود جذور هذا الملف إلى اجتماع عُقد بتاريخ 26/12/2024 مع وزارة الثقافة الأردنية، حيث قدّمت الهيئات الثقافية ورقة مطالب واضحة ومفصلة، تعكس احتياجاتها وتحدياتها، على أن يتم الرد عليها من قبل الوزير وفريقه خلال فترة لاحقة.
غير أن هذا الرد لم يصل، وبقيت الورقة معلّقة دون موقف رسمي، ودون توضيح، ودون حتى إشارة زمنية لمعالجتها.
ومع دخول شهر تشرين الأول 2025، جرى تذكير الوزير مجددًا بهذه الورقة، عبر أحد رؤساء الهيئات الثقافية الذي كان مفوّضًا رسميًا بمتابعة الملف، وطلب منه الرد بشكل مباشر، إلا أن الصمت استمر حتى الآن، ما عمّق شعور الهيئات بأن مطالبها لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه.
وخلال الاجتماع، عبّر المشاركون عن واقع تهميش مؤلم تعيشه الهيئات الثقافية الأردنية، يبدأ من ضعف الدعم المادي، الذي لا يتناسب مع حجم الأعباء والنشاطات، ويمتد إلى غياب الدعم المعنوي، وتجاهل رؤساء الهيئات في تشكيل اللجان الثقافية والوطنية، وقلة الدعوات الرسمية لهم في المناسبات والفعاليات الثقافية، رغم كونهم في الميدان وعلى تماس مباشر مع الجمهور.
كما أشار الحضور إلى تحوّل دور مديريات الثقافة في المحافظات من دور إشرافي تكاملي يُفترض أن يدعم الهيئات وينسّق معها، إلى دور تنفيذي تنافسي، يزاحم الهيئات على البرامج والنشاطات، بدل أن يكون مظلة تنظيمية حاضنة لها.
وتوقف المجتمعون عند مسألة لا تقل حساسية، تتعلق بتوجيه بعض أوجه الدعم المالي إلى مشاريع لا تنطلق من الهيئات الثقافية نفسها، في وقت تعاني فيه هذه الهيئات من شح الموارد، رغم أنها تشكّل العمود الفقري الحقيقي للوزارة، والرافد الأساسي لنشر الثقافة والفنون والإبداع والأدب، والمخزن الرئيس للطاقات التطوعية والخبرات المتراكمة عبر السنوات.
وأكد رؤساء الهيئات أن معظم مجالس إداراتهم تعمل بجهد تطوعي خالص، وغالبًا ما يتم تمويل النشاطات من الجيوب الخاصة للأعضاء، بدافع الإيمان بدور الثقافة ورسالتها، لا بحثًا عن مكاسب أو امتيازات.
وفي سياق متصل، اتفق المجتمعون على أهمية الانتقال من الاكتفاء برصد الخلل إلى البحث عن حلول عملية، حيث جرى التوافق على تأسيس إطار من التنسيق والتآلف بين عدد من الهيئات والمؤسسات الثقافية من مختلف المحافظات، بهدف تنفيذ نشاطات ثقافية نوعية مشتركة على مستوى المملكة، تعزز الشراكة الأفقية بين الهيئات نفسها، وتعيد الاعتبار للعمل الثقافي التعاوني بعيدًا عن المركزية والانتظار الطويل للدعم الرسمي.
وفي سياق متصل أيضًا، طُرحت إشكالية آليات الدعم، حيث عبّر المجتمعون عن قناعتهم بأن كثيرًا من أشكال الدعم والفرص لا تُمنح دائمًا على أساس الكفاءة أو حجم النشاط والأثر الثقافي، بل تحكمها في بعض الأحيان العلاقات الشخصية، وهو ما اعتبروه خللًا بنيويًا يسيء للقطاع الثقافي ككل، ويقوّض مبدأ العدالة بين الهيئات.
من ينصف الهيئات الثقافية في الأردن؟
بهذا السؤال اختُتم الاجتماع، سؤال واحد لكنه ثقيل الدلالة، يختصر سنوات من العمل الصامت، والعطاء غير المشروط، والانتظار الطويل لاعتراف حقيقي بدور الهيئات الثقافية كشريك لا كطرف هامشي. سؤال يبقى مفتوحًا، بانتظار إجابة لم تأتِ بعد.