
بيان صادر عن عائلة المُلثّم
الشعب نيوز:-
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُون}
الحمد لله العزيز الحميد، والصلاة والسلام على النبي الشهيد، صل اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وجاهد جهاده إلى يوم الدين، وبعد:
بأسمى آيات العزة والفخار، وبكل معاني الشموخ والانتصار، نزفّ إلى الفردوس الأعلى ـ بإذن الله ـ ابننا المجاهد القائد: حذيفة سمير عبد الله محمود ياسين الكحلوت، الذي قضى شهيداً في سبيل الله مع زوجته وابنتيه ونجله، وذلك في عملية اغتيال جبانة، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وما بُشّر بثمرته الصابرون، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ}، رضينا بقضاء الله وقدره، فهذا ممات الرجال، وهذه خاتمة الأبطال، فقد سار ابننا الحبيب في طريق محفوف بالمخاطر، يدافع وينافح عن قضية شعبه المقدسة، ويصدح باسم مقاومة هذا الشعب العظيم، وقد تعرض بسبب ذلك لعدة محاولات اغتيال، وقد كان أن أكرمه الله فأكرمنا، فخُتم له بالشهادة، ونسأل الله تعالى الذي كتَب له القبول في الدنيا أن يتقبله عنده في أعلى منازل الجنة، في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يعظم له الدرجات بقدر ما لقي من المتاعب، وتعرض للمخاوف والمخاطر، وبقدر ما حرّض وبذل وألهبت كلماته المؤثرة قلوب الجماهير، وبقدر ما أحيا قضية شعبه في عقول وقلوب الناس على ظهر هذه المعمورة..
يا أبناء شعبنا وأمتنا، ويا أحرار العالم:
إننا إذا نزف ابننا الشهيد حذيفة “أبا إبراهيم”، ورغم عظيم المصاب بفقد الأفذاذ المؤثرين، إلا أننا نجعله مع جموع المجاهدين الصادقين من شعبنا وأمتنا، فداء لله أولاً، ثم لديننا، ثم لمقدساتنا وأوطاننا، فهو واحد من هذا الشعب، لقي معهم المعاناة والمجاعة والتشريد مع عائلته، لكنّه بقي ثابتاً لا ينحني عن مبادئه، صادحاً بكلمة الحق في العالمين، معذراً إلى الله عز وجل، مؤمّلا في أمته كل خير، إلى أن لقي الله تعالى شهيداً ليمتزج دمه الطاهر مع دماء عشرات الآلاف من أبناء شعبه العظيم، ولتعانق روحه أرواح المظلومين والمعذبين من الرجال والنساء والأطفال الذين تعرضوا للإبادة، كذلك كان إخوانه الأبطال قادة الطوفان، فلم ينفصلوا عن هموم شعبهم ومعاناته، بل كانوا في مقدمة الصفوف، وقد شهد لهم العالم بأنهم أمهروا مبادئهم وأقوالهم بصادق فعالهم وزكيّ دمائهم ودماء عوائلهم، وما هو دون ذلك من خالص أموالهم وبيوتهم ومتاعهم..
لقد كان شهيد الأمة حذيفة ابنا باراً بوالديه، خافضاً جناح الذلّ لهماً، أخاً صَالحاً وَدُوداً وَصُولاً لرحمه، وزوجاً صالحاً مُحباً، ووالداً ربّى أولاده على موائد القرآن فكانوا حفظة لكتاب الله، فخلف لثام العزة الذي كان يظهر للعالم، كانت تتجلى أخلاق الإسلام العظيمة في شخصه ـ نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكيه على الله تعالى ـ
كان حذيفة رحمه الله منذ صغره ذكيّاً ألمعياً، سريع البديهة، يقظ الروح، ذكيّ القلب، طيّبا مطياباً، يألف ويُؤلف، قليل الكلام، لكنه إذا تكلم أفصح، خَفيًّا لا تكاد تعرف كُنهَه ودواخله، لكنه إذا ظَهَرَ أبْهَر، حفظ القرآن منذ صغره وتشرب معانيه من والديه، وتربى على موائده مع إخوانه، وأما عن تحصيله العلمي فقد كان مُتفوقاً وسابقاً في كل مراحل دراسته إلى أن حصل على درجة الماجستير المشهورة، وقد التحق ببرنامج الدكتوراه لكنّ انشغالاته حالت دون إتمام رسالته..
كانت تؤلمه جراحات المسلمين، فيرق قلبه وتبكي عيناه، وتغضبه مؤامرات أعداء الدين ويظهر ذلك في وجهه ومحيّاه، فيفصح عنها في مجالسه، وأشعاره، وكتاباته، لا تعنيه الشهرة، بل تهمّه الفكرة، وكان يصرّ ألا يعرفه أحد، ينأى عن كل مجلس يمكن أن يمدحه أحد فيه أو يعامله بموقعه أو مكانته، كان دائماً يردد مقولة: استعينوا بالله ثم بالمخلصين من عباد الله، فالله تعالى ينصر بهم ويفتح عليكم بإخلاصهم، وكان ينصح أن يكون لكل مؤمن خبيئة بينه وبين الله لا يطلع عليها أحد، وكان هو مثالاً للإخلاص والتفاني في عمله لا يبتغي به إلا وجه الله تعالى ـ نحسبه كذلك والله حسيبه ـ ولعلّ الأيام تكشف عن عظيم إنجازاته في جوانب مختلفة، ليس فحسب في الجانب الإعلامي والجهادي..
فقدنا رجلاً مؤثرا على مستوى بلده وأمته، بل والعالم أجمع، لكن! قد انقضى أجله، والتحق إلى جوار رب غفور رحيم، وعلى جماهير الأمة التي أحبته ولهجت باسمه أن تفخر باسمه على الدوام، وأن تتمرس خلف المبادئ والثوابت التي كان يصدح بها، وأن تقتفي أثره وتنشر ميراثه، وتلتزم منهجه وطريقته، وتنضوي تحت رايته ورسالته، فعظمة الرجل بقدر ما كان يحمل من الحق ويعمل به، وصدق المحبة بقدر ما يكون من الاقتفاء والسير على الدرب ولزوم المنهج والتمترس حول الثوابت.