المدن لا تغرق ،، بل ….

الشعب نيوز:-

المدن لا تغرق ،، بل …. المطر معروف، الشتاء متكرر، والفشل ثابت.

موسى جميل

مدينة تختنق كل عام ليست ضحية الطقس، بل ضحية قرار غائب، ومحاسبة مؤجلة.

إذا كانت المدن تفشل في إدارة المطر، فالمشكلة ليست في السماء… المشكلة على الأرض.

الحديث المتكرر عن “تحسّن الجاهزية” بات فارغًا من مضمونه، فالجاهزية لا تُقاس بسرعة سحب المياه بعد أن تغرق الشوارع، بل بقدرة المدينة على منع الغرق أصلًا.

المدن التي لا تُحضّر بنيتها التحتية للمطر، هي مدن تُراكم الخطر على سكانها.

والإدارات التي تتفاجأ بالشتاء كل عام، هي إدارات لم تتعلّم بعد أن الشتاء ليس طارئًا، بل اختبارًا متكررًا لكفاءة القرار.

المشكلة الأعمق أن ملف البنية التحتية يُدار بعقلية موسمية: ننشغل به في الشتاء، وننساه في الصيف، ثم نعود لطرح الأسئلة نفسها، وندفع الكلفة نفسها، وكأن الزمن لا يتحرّك.

فالمطر الذي يهطل في مواعيده المعروفة، ما يزال يُعامَل من قبل الجهات المسؤولة كحدث مفاجئ، وكأن المدن لم تُبنَ فوق جبال وأودية معروفة منذ قرون.

ولا يمكن تبرير شلل الشوارع وغرق الأحياء بذريعة “غزارة الأمطار”، لأن الغزارة ليست طارئة، بل حقيقة مناخية يفترض أن تكون أساس التخطيط لا ذريعة الفشل.

فالمدن التي تفشل عامًا بعد عام في إدارة حدث متكرر، لا يحق لها الادّعاء بأن ما يجري خارج عن إرادتها.

كما أن أخطر مكامن الخلل هو غياب التخطيط المتكامل:
حيث طرق تُعبَّد اليوم وتُحفَر غدًا، شبكات تُمد دون تنسيق،
ومشاريع تُنفّذ بعقلية جزئية، وكأن المدينة مجموعة ملفات منفصلة لا جسد واحد.

وهذا ليس سوء حظ… بل سوء إدارة.

اضافة لذلك فأن الفجوة بين التوسع العمراني المتسارع وقدرة البنية التحتية على الاستيعاب باتت صارخة.

أحياء جديدة تُضاف، طرق تُنشأ، ودون تطوير حقيقي لشبكات تصريف مياه الأمطار، خصوصًا في المدن ذات الطبيعة الطبوغرافية المعقّدة القائمة على المرتفعات والانحدارات الحادة.

مدينة تغرق كل عام ليست ضحية المطر، بل ضحية منظومة ترفض التعلّم، وتُصرّ على تكرار الخطأ.

وفي كل شتاء، تدفع المدن ثمن عناد وفشل ،، لا يغتسل بالمطر.

الخلاصة واضحة وقاسية:
المدن لا تعاني من أزمة مطر، بل من أزمة قرار.

وما نحتاجه ليس تصريحات موسمية،
بل قرار سياسي وإداري شجاع يقول: كفى.

فالمدن لا تغرق ،، بل تُغرق .

قد يعجبك ايضا