
الأبراج بين العلم و”الهبد”
الشعب نيوز:-
رغم الحضور الواسع للأبراج والتوقعات السنوية في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ورغم تحوّل بعض ممارسيها إلى نجوم تتابعهم جماهير عريضة، فإن سؤالاً أساسياً يظل مطروحاً: هل توجد أي أدلة علمية معترف بها تربط حركة الكواكب والأجرام السماوية بالحظ أو بمصائر الأفراد والدول؟
موقف العلم، ووفق إجماع شبه كامل، فإن الجواب، هو لا. خذ مثلاً وكالة الفضاء الأمريكية NASA التي تميّز بوضوح بين علم الفلك بوصفه علماً فيزيائياً تجريبياً قائماً على الرصد والقياس والنماذج الرياضية، وبين التنجيم الذي يربط مواقع الكواكب بصفات البشر ومسارات حياتهم.
ناسا تؤكد في موادها التعليمية أن التنجيم لا يستند إلى أي آلية فيزيائية معروفة، ولا يقوم على تجارب قابلة للاختبار أو التكرار، وهو بذلك خارج الإطار العلمي.
هذا الموقف لا يقتصر على ناسا وحدها، بل تشترك فيه أوساط علمية وبحثية واسعة. فمجلات علمية مرموقة، مثل Nature وScience ، نشرت عبر عقود مقالات ودراسات نقدية تناولت التنجيم بوصفه مجرد ثقافة مجتمعية لا علم.
وتشير هذه الدراسات إلى أن نتائج التنجيم لا تتجاوز مستوى الصدفة الإحصائية
ولا تصمد أمام الاختبارات.
الجمعيات العلمية في علم النفس، تفسّر انتشار الإيمان بالأبراج من خلال ما يُعرف بـ “تأثير بارنوم “، وهو ميل الإنسان إلى اعتبار العبارات العامة والفضفاضة وكأنها تنطبق عليه شخصياً أو تتنبأ بمستقبله، خصوصاً عندما تُقدَّم بلغة واثقة ومن شخصية تحظى بالقبول الجماهيري.
كما تشير دراسات نفسية إلى دور الانتقائية في التذكّر، فنتذكر التوقعات التي “أصابت” وننسى “الهبد”.
في العالم العربي، يبرز عدد من مشاهير التوقعات الذين يقدّمون قراءات سنوية لأحداث سياسية وأمنية واقتصادية كبرى. ويحق لنا أن نتساءل: هل ما يُقدَّم هو تنجيم قائم على الأبراج، أم قراءة عامة للمشهد يتم تسويقها بلغة غيبية؟
عملياً، كثير من هذه التوقعات، تأتي بصياغات واسعة تحتمل أكثر من تفسير، و
تتناول أحداثاً مرجّحة أصلاً في سياق عالمي مضطرب.
ويلاحظ كثيرون أن بعض نجوم التوقعات لا يمتلكون، في العلن على الأقل، عمقاً معرفياً واضحاً في الاقتصاد أو السياسة الدولية أو العلوم الاستراتيجية. لذلك فلا يستبعد أنهم يستعينون بمحللين متخصصين. ولم لا؟ فموسم التنبؤات أصبح موسماً تجارياً بامتياز.
أنا هنا لا أدين أشخاصاً أو أصادر قناعات فردية، بل أرغب في وضع الظاهرة في إطارها الصحيح. فالعلم، ممثلاً بمؤسسات كبرى مثل ناسا، ومجلات علمية راسخة، ومراكز بحثية نفسية، لا يعترف بوجود علاقة سببية بين حركة الكواكب والحظ أو مصائر البشر.
أما انتشار الأبراج ونجوم التوقعات، فيبقى ظاهرة اجتماعية وثقافية وإعلامية مفهومة، لكنها لا ترقى إلى مستوى المعرفة العلمية.
عبدالله بني عيسى