الصحافة الورقية.. تشاؤم وتأخير للدفن..محمود الخطاطبة

742
الشعب نيوز:-

يُحدثني صديق لي كان يعمل ممرضًا في أحد المستشفيات الحكومية، حول ظروف ونفسيات بعض المرضى، المُصابين بأمراض مستعصية أو مُزمنة أو أولئك الذين لا يُرجى شفاؤهم، إذ يؤكد لي بأن هؤلاء، وبعد أن تنتهي آجالهم ويُفارقون الحياة، فإن أهم ما يتم لمسه وملاحظته، بأن هذه الفئة كانت تضع العلاج وحبات الدواء تحت “فرشات” الأسرة التي يرقدون عليها.
ويضيف صديقي، بأن أولئك كأنهم يريدون أن يوجهوا رسالة مفادها بأنهم قد وصلوا إلى مرحلة من اليأس، و”الزهد” في كل شيء، حتى الحياة باتوا يُريدون الخلاص منها، وكأنهم يمارسون عملية انتحار بطيء!.
تلك مقدمة وكلمات، تنسحب على وضع الصحافة الورقية وحالة العديد من الصحفيين، في الأردن، وكأننا أمام حالة مشابهة لحالة تلك الفئة المريضة، فأكثر المتفائلين، من الممارسين لمهنة المتاعب، يؤكدون بأن هذا النوع من الصحافة قد “شاخ”، لا بل قد وصل إلى آخر مراحل الشيخوخة، بينما الأقل تفاؤلًا لديه قناعة بأن الصحافة الورقية بدأت بالفعل “تشيخ”.
في حين أن المتشائمين وصلوا إلى مرحلة من اليقين، مقتنعين بها تمامًا، بأن هذه الصحافة قد “ماتت” حقًا، وكل ما في الأمر أن هناك تأخيرا لعملية “الدفن”، أو بمعنى ثان هناك محاولات لتأخير إنهاء وجودها نهائيًا، بغض النظر عن كل السلبيات التي ستترتب على ذلك، ويذوق مرارتها ليس الصحفي وحده فقط، بل تشمل إداريين وفنيين، وحتى العاملين في الورق والحبر والنقل.
وما تلميح صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، تارة بترغيب وأخرى بترهيب، بضرورة أن تقوم إدارتا الزميلتين “الرأي” و”الدستور”، بعمل “هيكلة”، تستغني بها عن صحفيين وفنيين وإداريين، إلا خير دليل على ذلك “التشاؤم”.
للأسف، هناك نسبة من الصحفيين، ليست بسيطة، وصلت إلى مرحلة من “اليأس”، ونوع من “القرف”، باتت تؤمن معها بأن نهاية الصحافة الورقية، عبارة عن تحصيل حاصل، وأنها مسألة وقت فقط، كما أن “نهايتهم” في هذه المهنة، قادمة لا محالة، لأسباب معروفة لدى الجميع.
من أهم تلك الأسباب: ترك الحكومة لهذا النوع من الصحافة، وحيدًا يُقاتل من أجل البقاء، وتأمين قوت الصحفيين، بعد أن بقيت لأعوام عديدة، تُدافع عن سياسات حكومية، وتتبنى قرارات وإجراءات، أثبتت الأيام بأن ذلك كان في أحيان كثيرة “مثلبة”، يتم دفع فاتورتها حاليًا.
ومن الأسباب أيضًا، افتقار صحف إلى وجود منتج يُشجع القارئ على متابعة الصحيفة، وذلك مقترنًا بحرية التعبير والرأي وسقف مرتفع، أو على الأقل يكون جيدًا، فضلًا عن تدخلات من قبل جهات معينة، في سياسة التحرير، وتعيينات، قد يكون لا داعي لها، في كثير من الأحيان، تُنهك القوة المادية للمؤسسة الصحفية، وتُسهم في غُبن وظلم صحفيين، يتيقنون بأن هناك عدم عدالة أصابتهم في مقتل.
بفعل كل هذه الأسباب، أصبح العديد من الصحفيين، كأنهم مرضى على أسرّة، لا أمل في شفائهم، مقتنعين بأنه لا حل لمشكلاتهم الحقوقية والمادية والمعنوية، بشكل خاص، ولا يوجد بصيص أمل في نهاية النفق، لحل مشكلة الصحافة الورقية، والرسالة التي تؤديها، بشكل عام، وباتوا يسلمون بذلك الأمر، كأنهم يُساقون إلى الموت كالمخدرين أو المخمورين.
وليس سرًا، بأن هناك زملاء في المهنة ساهموا بذلك، بطريقة أو أخرى، فحصول الصحفي على وظيفة أو عمل، يعتاش منه وأفراد عائلته، بات من الأمور الصعبة، ما جعل البعض “يتشبث” برزقته ويغض الطرف عن حقوق الآخرين، من قبيل التسليم بأن الأمر إلى “زوال”.
وفي حال بقي كل شخص، يدافع عن مصلحته الشخصية فقط، بداعي “الحاجة”، والخوف من المجهول، فإن “الدفن” سيتم الإعلان عنه قريبًا، ولن يتم تأخيره أكثر من ذلك.

قد يعجبك ايضا