المَطاعِيم لمَن لا وثائق لديهم ..الأكاديمي مروان سوداح
الشعب نيوز:-
حَدَثَ أكثَر من مَرَّة أن استفسرتُ من فقراء ومُشرَّدِي الشوارع، عَمَّا إذا تلقوا المطاعيم ضد فيروس كورونا، فكان جوابهم أنهم لا يحملون وثائق إثبات شخصية، ليس فقط لأجل تلقي المطاعيم، بل ولأجل إرسال أطفالهم للمدارس لتلقي العلوم!
كذلك، قال بعضهم والدمع في عينيه، إن حياتهم صعبة للغاية، ولا يَشعر بهم أحد “من الشبعانين”، لذلك هم يَجمعون النقود لشراء الطعام أولاً لعائلاتهم المُشرَّدة لسَدِ جوعها، ذلك أن المعاملات الحكومية لاستخراج وثائق تحتاج إلى “دفع نقود”، يُمكِّنَهُم بها شراء الخبز والطعام، وهو أهم من أيَّة وثيقة تحتاج بعد فترة إلى نقود لتجديدها!
وردًّا على استفساري عن تلقي هؤلاء المواطنين المطاعيم من أجل تحصين أطفالهم بالدرجة الأولى، وأنفسهم ثانيًا ضد الوباء، والاستمرار بإجراءات الوقاية، بما في ذلك إجراء فحص كورونا، بشكل دوري، أجاب أحدهم بأنه يدفع (50) دينارًا شهريًا إيجار غرفة لعائلته يجمعها من المُحسِنين إليه، وتعيش سويًا مع عائلته حَمَاتهُ، ويُسَدِّد المَصاريف لقاء استخدام الماء والكهرباء، ولا يوجد أموال لديه تكفي لشراء مُستلزمات لإجراء فحوصات طبية، ولا حتى لإرسال أولاده للمدارس.
لا علم لدي بما يجري من بحث عن المشردين والفقراء في المَمْلكَة لتطعيمهم، إلا أنني على اطلاع بأن بعض البلدان، والصين كانت أولها في إرسال فِرق التطعيم المجاني إلى الأحياء الشعبية ومواقع الأعمال، “لتطعيم مَن يَجب تطعيمه في عين مكانه”.
قرأتُ، أن بعض الفقراء والمُشرَّدين في بلدان رأسمالية وأخرى متطورة، ودول إفريقية وآسيوية قد كانوا – وما زالوا – أول من تعرَّضوا للموت بسبب عدوى كورونا، لأنهم فشلوا في تلقي المطاعيم بسبب فقرهم وفاقتهم، ولأن حكوماتهم لم تهتم بهم وأدارت ظهورها لهم، فكانوا لقمة سائغة وسهلة في فمِ الموت المؤكَّد، وهو ما تحدَّثت عنه بعض المقالات والأبحاث في بداية ظهور كورونا، وباختصار، بأن هذا الفيروس إنما هو موجَّه بالدرجة الأولى للتخلص من “جيوب الفقر والأسمال”، وجيوش المُشرَّدين، ومربعات الفاقة.
قرأتُ تصريحات أُسْتاذ عِلم الاجتماع حسين الخزاعي لوسائل الإعلام، يقول فيها إن تزايد معدلات البطالة في البلاد تعود لسبب عدم وجود فرص عمل وفقدان عديد المواطنين وظائفهم، وارتفاع معدلات الفقر وطالبي المَعونة من الدولة يُهدِّد بشهودِ ظاهرةٍ غير معهودة في الأردن، إلا وهي “ظاهرة التشرد”، إذ عرَّف حقوقيون وأخصائيون اجتماعيون “التشرد” بأنه العيش في مَسكَن دون المستوى الأدنى أو من دون ملكية مأمونة، ويمكن تصنيف الناس على أنهم مشردون في حال كانوا يعيشون في الشوارع، أو يتنقلون بين ملاجئ مؤقتة تتضمن منازل الأصدقاء والعائلة وأماكن الإقامة الطارئة، أو يعيشون في مآوي داخلية خاصة من دون حَمَّامٍ شخصي أو مكان آمن.
إن عدم انتفاع الفقراء ومَن لَفَّ لَفَّهُمْ من المواطنين المُهلهلةِ أوضاعهم، بأعمال وأشغال، قد يؤدي إلى كوارث صحيَّة قد تؤثر على بقية أفراد المجتمع. آمَل أن تتمتع هذه الفئة الضعيفة والرقيقة الحال بمزيدٍ من العناية الفِعليَّة والعَملانيَّة الحكومية والاجتماعيَّة على الأرض، بعيدًا عن التمنيات والعواطف، فهذا الأمر انَّمَا يَصبُ في مصب مصالح الشعب ككل، ويتَّسق مع المتطلبات الدينية والوضعية للإنسان وكرامته الطبيعية.