“أبونا الخوري محمد جورج شرايحه..!” (1).. الأكاديمي مروان سوداح
الشعب نيوز:-
في الأجواء الاحتفالية بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، تتجدَّد اللقاءات والعلاقات، وتتعمَّق وتتجذَّر المحبة والإخلاص بين بني الإنسان وأهل العُمْرَان، مِمَّن يُدركون مدى وأهمية وضرورات تحسين الأحوال العامة وخدمة البشر، استنادًا إلى أفكار ومنهاج فكري ثابت لا اعوجاج فيه ولا انزياح له سوى إلى ذاته الخلاّقة.
في مِثال ناصع على ذلك، “الأب الخوري محمد جورج شرايحه”، الذي يُعَرِّف عن نفسه على صفحته في “فيسبوك” كالتالي: “ناشط في مجال حقوق الإنسان وصحفي كاثوليكي”، وهو رجل الدين المسيحي المثقف من مدينة الكرك الكريمة، والمشتغل عمليًا في حِوار الثقافات والأديان في سبيل الإنسان وسلامِه، والقائم على “كنيسة الروم المَلكيين الكاثوليك”، النشطِة في “صافوط” الصغيرة مساحةً، إلا أنها الكبيرة بنهجها وناسها وتاريخها الحضاري والثقافي والإنساني العربي والأُممي.
الأخ “الأب محمد جورج” شرايحه، الذي يحمل الاسم المُركَّب “محمد” إلى جانبه “جورج”، هو المِثال العُروبي الأردني والعَملي الناصع والبَرَّاق في تلاقي بني آدم وحواء على المُشتركات الطبيعية التي غرسها الله العلي العظيم في نفوسنا وعقولنا وهيكلنا الجسدي والروحي المتناغم بوحَدة النفس والمادة، لأجل أن نتصالح أولًا مع ذواتنا، وثانيًا وعاشراً لنُدرك لزوم التفاهم العميق المتبادل في أجواء السلام السماوي، الذي يجب أن يُترجم بشريًا بفعالية وصدق على أرض الواقع بعيدًا عمَّن يَلطمون بَعضُهُمْ بَعْضاً. ففي أحد اللقاءات التلفزيونية التي جرت معه، استفسر منه المذيع باستغراب كبير عن اسمه، وهو الكاهن والخوري المسيحي، فأجابه الأب محمد قائلًا: لن أُغَيِّر اسمي رغم ما أتعرَّضُ إليه أحياناً من مضايقات وخاصةً في المطارات الأوروبيَّة، إذ يستغربون في تلك الأماكن من اسمه وهو رجل الدين المسيحي، ويجيبهم بقوله: “في الأردن فقط يمكنكم العثور على رجل دين مسيحي يحمل اسم محمد”. ويستطرد الخوري محمد قائلاً: “من النادر أن يكون هنالك طفل مسيحي اسمه “محمد”، وأن يكون ذلك ايضاً مُثْبَتاً في شهادة ميلاده، وهو يرى بأن اسمه هذا إنَّمَا هو تأكيد على وحَدة المسيحيين والمسلمين، وهي التي لا يمكن فصمُها”.
“الأب محمد جورج” شرايحه، هو رجل الدين المَسيحي، الذي يَستَمسِك بفلسفة “الديونتولوجيا”، الجالِبة العدل والحرية والمساواة والخير، والطاردة للشر والشرير، والتي هي ما يَتميّز به الإنسان عن غيره، فهو بيومياته الإنسانية وأخلاقه الرفيعة، وسَويِّتهِ وَجِدِّه واجتهاده عِلم الأخلاق بذاته؛ فهو الكَاتب، والبَاحث، والمُفكِّر، والعَلَّامَة الذي يَمنحُنا من خلال شخصه الوقور واسمه البَرَّاق اللافِت الذي يحمله، وفكره ونشاطه العَمَلاني في الجماعة البشرية المحلية، وعلى صَعيد المجتمعات العربية الأخرى، وفي عَوَالِم الدِّين والتديُّن والأخلاق؛ بَصِيِص أملٍ في أن البشرية ستجد بالتأكيد جَادة الصواب، وستحوز على الحل الأنجع لتوظيف السلام والأمان في أرضنا لتعميم المَسرَّة على عقول منفتحة ومتصادقة ومتآزرة؛ لنكن جميعًا بعيدين عن مكاسب الاحتكارات المادية الطاغية على الروحانيات؛ ولتغدو كل هذه العقول بعيدة عن مُسببات الطُغْيَانيَّة المادية على حيواتنا ونفوسنا، الوثابة دومًا وأبدًا بلا شك إلى الأعالي.
منذ سنوات طويلة أتصادق وأتآخى مع “أَبونا محمد”، ولي الشرف الكبير واللامحدود أن يزورني في بيتي، وأن يدعوني بسرور إلى بيته – كنيسته العَامرة بسجاياه الطيبة ومئات المؤمنين المُعتمرين بالحقيقة والمُسَلِّمِيِن أنفسهم لله الواحد الأحد وحده، وأحمد الله على هذه الصداقة والتآخي معه، وأعَظِّمُ سجاياه الحميدة وخصاله النبيلة، فالسيدة والدته التي سَمَّته بهذا الاسم رأت فيه تأكيدًا واقعيًا على نشر فكرة الوحَدة الإنسانية والوطنية التي يتسم بها الأُردن بقيادة جلالة المَليك المُفدى سيدي عبدالله الثاني المُعظَّم، الذي يواصل في لياليه ونهاراته ومن خلال الفعاليات والمؤتمرات الدولية، دعواته الإخائية العالميَّة على كل الصُّعد الكونية لترويج وبث أفكار المحبة والتآخي بين شعوب مختلف المجتمعات والأنظمة السياسية، لتمكينها من العيش في سلام دائم ومساواة، إحقاقًا لحقوقها السماوية غير القابلة للتغيير والتحريف.
من اللافت للانتباه لكل مَن يعرف “الأب محمد”، أنه مَمنوع مِن الدخول إلى فلسطين حتى ليُشارك مع إخوته الكهنة في الاجتماع السنوي، في مدينة حيفا، المُخصَّص لبحث القضايا الكنسية حَصرًا. فمنذ سنة 2008، حين تم تقديم إسمه كنسيًا، ضمن لائحة بأسماء الكهنة الآخرين للسلطات “الإسرائيلية” – (والنبي القديم، التوراتي، يعقوب – “إسرايل” لا علاقة سياسية له بالاحتلال ومراميه)؛ تم منعه من المشاركة في هذا الاجتماع، وهو ما يُبَرهِن أن السلطات الاحتلالية تحاول ممارسة الضغط غير المشروع والمُنَافِي للقوانين الدولية والدينية، على رجال الدين، سعيًا لكسر صمودهم في مواجهة تهويد فلسطين، وهي الدويلة الاستِبداديَّة التي تواصل “تجاربها” لتهويد وصهينة الأوقاف المسيحية والإسلامية. وللحديث بقية تأتي.
((.))