مظاهرُ تَديُّنٍ لا دِينٍ.. لا تغلقوا الشوارع حول المساجد!
الشعب نيوز:-
أسامة الرنتيسي –
ليست المرة الأولى ولا العاشرة ولا المئة، التي تُطلق فيها انتقادات ساخنة لمن يترك سيارته وسط الشارع، أو يغلق فيها الطريق بسبب دخوله المتأخر للمسجد كي يلحق صلاة الجماعة، ويتكرر المشهد واسعا خلال صلاة التراويح في رمضان.
عانيت شخصيا، وعانى مثلي كثيرون، من إغلاق الشوارع حول المساجد، بسبب بعض المصلين الذين يصرون على أن يضعوا سياراتهم على بوابات المسجد حتى لو أدى ذلك إلى إغلاق الشارع، فهل يقبل الدين ذلك، وهل تقبل وزارة الأوقاف هذا السلوك المزعج الذي قد يؤدي إلى تأخير وصول مريض إلى مستشفى، أو شخص ملتزم بموعد محدد.
مظاهر التديُّن كثيرة هذه الأيام، تدخل أحد المحال الكبيرة التي انتشرت فروعها في مدن المملكة، صباحا او مساء، فلا تسمع سوى القرآن الكريم، او الأناشيد الدينية، وفي عجقة الزبائن الذين يرتادون هذا المول بحثا عن أسعار مخفضة ضمن العروض الكثيرة، تسمع أصواتا مثل طنين النحل، فيضيع كلام الله وسط هذا الزحام، وتضيع الموعظة الدينية «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون «الآية 246 الأعراف».
تمر في شوارع عديدة، خاصة يوم الجمعة، فتجد المصلين قد اغلقوا الشوارع بسياراتهم غير منتظمة الاصطفاف، فتقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله..) من يغلق الشارع بسيارة او كيفما شاء فليس انسانا مؤمنا، ولا يعرف معنى إماطة الأذى عن الطريق.
تشارك في مناسبات رسمية واجتماعية، فتفاجئك سيدة بعدم المصافحة باليد، فتُحرَج انت، وتمتنع عن مصافحة النساء الأخريات الموجودات، وتحرج أكثر عندما تمد أخرى يدها مصافحة، فتُسائل نفسك لِمَ لَمْ تبادر أنت.
في العالم العربي، منذ ثورة الخميني، طغت مظاهر التَديُّن على مظاهر الدِين، وأصبحت هذه المظاهر هي عناوين تقسيم المسلمين، فالذي يرتدي لباس الأفغان، أصبح عنوانا للمسلم المتطرف «القاعدي»، ومن يرتدي دشداشة قصيرة، ويحلق شاربيه، ويطلق لحيته، هو المسلم السلفي، بعناوينه المختلفة، سلفي جهادي، ام سلفي دعوي، وإذا كان بلحية خفيفة، وربطة عنق، فهو إسلامي إخواني، قد يكون من الحمائم أم من الصقور، وإذا كان بلحية خفيفة ومن دون ربطة عنق، فهو إسلامي إيراني قريب من الجهاد، ومحسوب على الملالي…
هذه المظاهر، تطغى على حياتنا اليومية، وتحتل نقاشات العامة، وحتى النقاشات الأسرية، فطغت مظاهر التدين على الدين، وحولت المجتمعات إلى مجتمعات قلقة متوترة، مشككة في بعضها بعضا، وحتى التكفير بينها، عدا الاحتراب والاقتتال تحت لافتات متعددة.
لنَحْذر كثيرا من «طوائف المتأسلمين» الذين يتكسبون من خلال تدينهم المظهري، وهؤلاء أصبحوا معروفين للناس لأنهم يسعون دائما للاستخفاف بعقول العامة وتضليلهم، من خلال خطابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى اليوتيوب، وهؤلاء يتكسبون بالدين ويزعمون امتلاك الحقيقة، وأن من يعارضهم على ضلال، ومن يسير معهم يكون من المهتدين.
نغضب كثيرا عندما تتوسع التقارير الدولية في اتهام منطقتنا بأنها أخصب بيئة للعنف والتطرف، ولطالما اعتمدنا نظرية المؤامرة الخارجية على أنها وراء تشويهنا وتشويه الدين، فلن نصل الى مرحلة العيش الآمن من جديد، وسنبقى متوترين، ونحتفل بمزيد من الدماء والقتل والذبح بين التيارات الجديدة، وكلها باسم الدين.
الدايم الله…..