عن ربيع شهاب ورفاقه
الشعب نيوز:-
علي سعادة
كان ذلك في رمضان عام 2003 حين كان يقف على خشبة المسرح يؤدي دور “عليوه” في مسرحية “عليوه مدرس خصوصي”، حين تعرض لجلطة دماغية أوقفته عن الحركة وعن الكلام.
ورغم أن الجمهور الأردني عرفه من خلال ثلاث شخصيات تلفزيونية هي”عواد” و”عزوز” و”عليوة” إلا المسرح هو من قدمه بشكل أكثر وضوحا للمشاهد الأردني وكشف عن شخصية كوميدية استثنائية استطاعت إضحاك جمهور من الصعب إرضائه ودفعه إلى الضحك بصوت مرتفع والخروج من”كشرته”.
كان من الممكن أن تمضي حياة ربيع شهاب، المولود عام 1956، في ملاعب كرة القدم حين انتسب إلى فريق نادي شباب الحسين (مخيم الحسين)، لكنه طاوع قلبه فترك الكرة وسافر إلى القاهرة لدراسة فن التصوير، وفي القاهرة مدينة الفن وصانعة النجوم اكتشف ميوله الفنية في التمثيل .
كانت بدايته الفنية عام 1975 في أدوار صغيرة جدا غير مؤثرة، ولم يجد صعوبة في تقديم نفسه كفنان متمكن، فنان سيترك فيما بعد بصمة واضحة على الفن الأردني، وقدرته على تطوير الأداء المسرحي الكوميدي.
ورغم أن مسلسل “حارة أبو عواد” بأجزائه الثلاث مع نبيل المشيني (أبوعواد) وعبير عيسى (نجاح) ورشيدة الدجاني ( أم عواد) وموسى حجازين (سمعة) وحسن إبراهيم (مرزوق) عام 1981 كان المسلسل الذي قدمه للجمهور بشكل بارز بشخصية “عواد” إلا أنه قدم قبله أدورا في مسلسل “شجرة الدر” عام 1979، و”سوق الألغاز” عام 1980 و” شمس الأغوار” عام 1981.
وانطلق ربيع شهاب “أبو إيهاب” يفتح لنفسه مساحة على شاشة التلفزيون الأردني ومسارح عمان، فكانت الثمانينيات عصره الذهبي فقدم فيها أفضل أعماله من ناحية القيمة الفنية والكم، فقدم مسلسلات:
“طرفة بن العبد” عام 1982، “سيف بن ذي يزن” 1982، “جبل الصوان” 1983، ” بير الطي” 1984، “أسيرات الحب” 1985، “الشقيقان” 1985، “الطواحين” 1985،”عذاب” 1985، “فارس الفتى الشجاع” 1986، “القرار الصعب” 1986 بدور (عزوز) 1986،”المناهل” عام 1987،”أيام البركة” 1987،”وجوه وأقنعة” 1989.وغيرها.
ثم واصل زيادة مساحة تواجده التلفزيوني في التسعينيات فقدم مسلسله الشهير “لقمة العيش” عام 1991، وقبلها “آن الأوان” 1990،”النصائح الثلاث” 1990، “الزمن المر” 1992، “الغريب” 1992،”عليوة والأيام، “الشمس بعد الغيوم”2001 ،”هي والعنكبوت” 1998، “كعك على الرصيف”، “تكسي الحبايب”2004.وغيرها.
أظن أن شخصية ربيع شهاب الفنية على المسرح كانت هي الأكثر أهمية والأكثر حضورا في مسيرته الفنية، وهي التي كشفت عن الجانب الكوميدي في شخصيته، وربما ساهم تصوير بعض مسرحياته تلفزيونيا في تعريف المشاهد الأردني به بشكل لافت خصوصا حين لعب شخصية “منير الكوع” في مسرحية “اللعبة” عام 1983 ثم كانت مسرحيته اللافتة “خادم السيدين”. ولاحقا جاءت مسرحيات “يا أنا يا هو” عام 1984، “المهمة”، “عليوة مدرس خصوصي”، “علي عليوة”، “الفرافير”، “العريس”، “القهوجي”، “مين فينا المجنون”، “رجل في مهمه”، “عليوة والوحش”، وغيرها
ربما كان نجاح ربيع شهاب الأكبر في خلق شخصيات شعبية لا زالت لاصقة في عقل المشاهد الأردني، ربما لبسطتها وعفويتها وقربها من الناس وعدم تصنعها رغم استفزازها أحيانا مثل شخصيتي “عزوز” و”عليوة” صاحب الجملة الشهيرة “لا ما هو الصحيح يعني “.
كان ربيع شهاب يضع لمسته وارتجاله على جميع مسرحياته عبر خروجه عن النص، فالكوميديا تغري الفنان على الارتجال وإلقاء الأفيهات والنكات التي تخدم النص وتمتع الجمهور وتضحكه، كما كان يفعل الفنان سعيد صالح (مسرحيا هو أفضل من عادل أمام)، وعلينا أن لا ننسى أن شهاب هو كاتب لأعمال فنية كثيرة، وقدم في مسيرته ما يزيد عن 40 عملا فنيا بين مسرحية ومسلسل وبرنامج إضافة إلى فيلم يتيم بعنوان “الحذاء” عام 1989.
وبينما كان ربيع شهاب يتألق في شخصية “عليوة” وتستحوذ على اهتمام جمهور عريض تعرض لجلطة دماغية جعلته يلزم الجلوس في بيته، وأجبره المرض على ترك الفن منذ ذلك الوقت بعد أن كان يحتل مساحة كبيرة في إمتاع الجمهور، واختفى ربيع شهاب عن الساحة الفنية كل هذه السنوات، حتى ظهر في عام 2012 في مهرجان المسرح العربي الذي أقيم في عمان وتم تكريمه من قبل أصدقائه الفنانين الأردنيين والعرب.
وحددت له نقابة الفنانين راتبا شهريا بسيطا كان يذهب أكثر من نصفه ثمنا للأدوية، وهي نقابة تعاني من ضائقة مالية في الأساس، ليس هنا مكان الحديث حولها هنا.
أمام غياب جميع أشكال الدعم الممكنة كانت الزيارة المفاجئة لولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني لمنزل ربيع شهاب عام 2019، وهي تسجل للأمير، بداية لصحوة أعادت الانتباه من جديد لربيع شهاب لفنان رسم البسمة والضحكة على وجوه الأردنيين لنحو 25 عاما.
المصير الذي وصل إليه ربيع شهاب هو مصير المبدع العربي الذي لا يجد سوى موهبته يستند عليها ليواصل الإبداع.
كيف يصبح الفنان الذي يضج المسرح تحت قدميه هيبة واحتراما، وتعلو فيه ضحكات الجماهير، ذاكرة وأرشيف؟ كيف يتحول هذا العالم الساحر إلى حالة إنسانية تستدعي العطف والبكاء؟
حين رأى ربيع شهاب صورة الفنان الراحل حسن إبراهيم “مرزوق” زميله في “حارة أبو عواد”، الذي لقي هو الآخر النسيان والجحود، غرق في البكاء وهو يقبل الصورة، وفي مشهد أخر كان الكوميديان الجميل والمحترم والموهوب موسى حجازين “سمعة” يبكي وهو يقدم للجمهور ربيع شهاب بعد غياب طويل ويستلم نيابة عنه درعا تكريمية .
لا يجد المبدع العربي سوى الدموع ليختم بها حياة كانت مليئة بالضجيج وكاميرات التصوير والإضاءة وضحكات الجمهور.
كان أولاده، إيهاب، وأيهم، وإيناس، ومحمد، وأمهم المجاهدة، التي تحولت في مرحلة من مرض ربيع شهاب إلى أم له، فأصبحت أما لخمسة أبناء، ينظرون باندهاش إلى ذلك الجبل الذي كان يهز المسرح فإذا به يجلس على مقعده في البيت لا حول له ولا قوة.
كان يفرح حين يمر في الطريق فيركض طفل صغير نحوه وينادي عليه “عليوة”، “عزوز” ويهرب الصغير وهو يضحك، هذه الضحكة البريئة، هي ما تبقى لنا من ربيع شهاب ورفاقه من فنانين وفنانات نحتوا في الصخر وعانوا ولا يزالون.