
عقار الشيطان
الشعب نيوز:-
سعاد فهد المعجل – كاتبة كويتية
حين أصدَرَ الكاتب «أحمد مراد» روايته «الفيل الأزرق» ثارت ثائرة العديد من النقاد باعتبارها رواية بلا محتوى، وتُثير المخاوف من الشكل القادم للأدب العربي وللأعمال الروائية بالتحديد، ومع ذلك فقد حقّقت الرواية شهرة جماهيرية منقطعة النظير في العالم العربي، ولم يكن ذلك على مستوى محدود من القراء وإنما حقّقت كذلك نجاحا على مستوى النّخبة والنقّاد فوصَلَت الى القائمة القصيرة العالمية للرواية العربية.
الرواية صدَرَت في العام 2012 وتحوّلت الى فيلم في العام 2014. وقد اعتمَدَ «أحمد مراد» في سَرْد روايته على بعض الحقائق العلمية مع جزء كبير من الخيال. تدور أحداثها حول طبيب نفسي يجد نفسه مسؤولًا عن علاج مريض يُتّهَم بِقَتل زوجته لِيَتّضح للدكتور أن هذا المريض هو من أعز أصدقائه في مرحلة الثانوية، ويبدأ مع أخت المريض في محاولة حل لغز جريمته التي راحت ضحيتها الزوجة، وفك طلاسم تصرفات المريض الذي تَظهَر عليه أعراض انفصام الشخصية. تَتَعَقّد الجريمة والألغاز في القصة ليُصبح بعدها الطبيب النفسي «يحيى» شاكًّا في نفسه وتصرّفاته الشخصية، وهنا تظهر حبّة الفيل الأزرق، وهي حبّة مُخدِّرة تَنقل من يأخذها الى عوالم كثيرة مُختلفة الأبعاد والمتاهات.
يُقال إن الرواية قد جاءت إما كنتيجة أو كسبب لانتشار مُخَدّر الفيل الأزرق بشكل مخيف ومُقلق، وهي تأتي على هيئة أقراص انتَشَرَت أخيرًا بين فئة الشباب المراهقين ويُطلَق عليها العديد من الأسماء أبرزها «عقار الشيطان»، ويبدأ مفعولها خلال 20 ثانية من تناولها. ولقد أثبتَت دراسات علمية حديثة أن %75 من الأشخاص الذين تناولوا هذه الحبّة الشيطانية قد انتحروا أو تعرّضوا لِخَطَر الانتحار، أو ربما الى الموت المفاجئ، وأن نسبة %25 من الذين بقوا على قيد الحياة أُصيبوا ببعض الأمراض النفسية والعصبية الخطيرة.
عالَم المخدرات عالَم واسع وشَرِس وعنيف، ولم تستطع حتى الآن دول كبيرة بأجهزتها واستعداداتها المتطوّرة أن تُواجه هذا العالَم، وبَقيَت أغلب المحاولات في إطار الدفاع وليس الهجوم، حتى أصبحت تجارة المخدرات من أكبر الأسواق السوداء في العالم ويتجاوز حجم تداولاتها المالية مليارات الدولارات سنويًا.
كانت أولى الحروب على المخدرات في الصين، وذلك في أوائل القرن التاسع عشر عندما توغّلت تجارة المخدرات فيها، فقامت الحكومة الصينية بِفَرض حَظْر على استيراد الأفيون وهو ما رفَضَته المملكة المتحدة آنذاك، وأعلنت حرب الأفيون الأولى التي خسرتها الصين، وأُجبِرَت على السماح للتجار البريطانيين بتجارة الأفيون على أرضها، ثم اندلعت فيما بعد حرب الأفيون الثانية بانضمام فرنسا الى بريطانيا.
الحاضر لا يختلف كثيرًا بشكله وتفاصيله عن الماضي حين يَتَعلّق الأمر بمواجهة تجارة المخدرات وانتشارها، فها هي هولندا اليوم تَئن تحت وقع أنشطة ونفوذ مافيا المخدرات، وهاهو رئيس الأكوادور يطلب مساعدة دولية لمواجهتها، وهاهي دول مجلس التعاون تَدق الجرس مُحَذّرة من تدفّق ملايين الحبوب المُخَدّرة والمؤثّرات العقلية التي أصبحت تغزو مجتمعاتها وتَفتك بعقول ضحاياها وأجسادهم.
حتى الآن لا توجد وصفة سحرية ولا طريقة فاعلة للحد من انتشار بيع المخدرات واستهلاكها، بل وحتى ما يُعلَن عنه من ضبطيات لملايين من حبوب الهلوسة، والأطنان من المواد المُخدّرة لا يُشَكّل وفقًا للتقديرات سوى نسبة ضئيلة من الشحنات الفعلية، مما يعكس حجم نفوذ وسُلطة مافيا المخدرات في كل مكان في العالم.
المال والسّلطة من أهم أضلع مثلث الاتجار بالمخدرات، حتى إن البعض أصبح يرى أن التجارة الحرّة قد ضاعَفَت من تجارة المخدرات، وقدّمت فُرَصًا مُغرية لتجار المخدرات لِغَسل أموالهم الملوّثة، وأسهَمَ انصهار العالم في قرية واحدة في انتقال المساوئ جنبًا الى جنب مع محاسن هذا الانصهار.
بالرغم من كل المبادرات الدولية، ومحاولات الدول ضمن إطار حدودها وقوانينها، مواجهة مثل هذا العدو الشرس، فإن النتائج لا تزال دون المطلوب ولو بحد أدنى، والمخدرات كسلعة لا تزال تحتل هامشًا مُريحًا من التجارة الدولية، ولا يزال نفوذ مروّجيها يتجاوز نفوذ الدول بمؤسساتها.
المواجهة بالقبض على المُتاجرين بهذه السموم، بل وحتى بإعدامهم لم تشكّل رادعًا فعليًا بدليل استفحال قضية المخدرات لا انحسارها.
فالمواجهة أداة دفاعية، بينما يُمكن للهجوم أن يُحَقّق مردودًا حتى وإن كان متواضعا، ولعل أهم أدوات الهجوم هنا هي في خَفْض الطلب على المخدرات من خلال برامج تَدرس الدوافع والأسباب التي تدفع الشخص نحو تعاطي المخدرات، فحتى المخدرات تَخضَع لقانون العرض والطلب، وأي مشروع يَهدف الى خَفض العَرض يجب أن يكون موازيًا لِتَقصّي أسباب الطّلب أولاً.