
“دقة على الحافر ودقة على …”!أسامة الرنتيسي
الشعب نيوز:-
لا يحتكم العمل السياسي في الاردن إلى قواعد ونظريات معروفة، لكن النظرية السائدة عند معظم السياسيين هي “دقة على الحافر ودقة على المسمار”.
لتفسير بسيط لهذه الظاهرة يتم ترجمتها دائما على قاعدة أن مرجعيات العمل السياسي في الاردن ثلاث، الحكومة والديوان الملكي والمخابرات.
فمن يعمل في الحقل السياسي عموما عليه أن لا يٌغْضِبْ الثلاثة عناوين معا، بل يتحالف مع الديوان والمخابرات ضد الحكومة، أو يتقرب من الديوان والحكومة ويقطع خطوطه مع المخابرات، أو ينسق مع المخابرات والحكومة بعيدا عن الديوان.
قليلون من يستطيعوا أن يحافظوا على شعرة معاوية مع الجميع، لكن الاجماع ينصب دائما إنه حتى لو رضيت عنك الحكومة والديوان وغضبت المخابرات فأنت في وضع صعب، لأن الدخان الابيض لأي مشروع سياسي أو توجه أو حتى بناء أحزاب جديدة يجب أن يظهر من “طريق الشعب”.
قبل سنوات وتحديدا في 20 مارس 2013، وأمام قيادات الأحزاب السياسية الاردنية وخلال لقاء مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، نحت رئيس الوزراء الاسبق عبدالله النسور مصطلحا جديدا فقال: المرحلة الجديدة بحاجة إلى صفحة نظيفة لا علاقة لها بـ” الثعلبة السياسية”.
بعد هذه السنوات ثبت فعلا أن المرحلة التي نعيشها لا تحتاج إلى “الثعلبة السياسية” بل إلى الوضوح والمكاشفة، لأن حجم القلق والارتباك الذي تمر به المؤسسة الرسمية حيال تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، وفي المحيط العربي، ظاهر للعيان، وبدأ يطفو على السطح بكل وضوح.
والقلق في كيفية ترتيب البيت الداخلي بما يتوافق مع استمرار النهج المحافظ ذاته والسياسات الاقتصادية نفسها، من دون تقديم أي استحقاقات ضرورية تذكر، بضاعة لم يعد يشتريها أحد.
فالتصدي للمديونية وعجز الموازنة لا يكون حسب الاجراءات الرسمية، إلا برفع أسعار المواد الأساسية، التي لا غنى عنها للمواطنين، وما يتبع كل ذلك من توالي الارتفاعات على المواد الاستهلاكية، وبعد كل هذه القرارات تجاوزت المديونية الاردنية الخطوط الحمر وهي في طريقها لان تصل نسبتها إلى 100 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي.
لقد فات وقت طويل، أصرت فيه المؤسسات الرسمية للحكم على عدم الاستجابة لاصلاحات جادة وشاملة للمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذا هو الطريق الوحيد المضاء للخروج من ظلمة أزمات الفقر والاحتقان السياسي وغياب المشاركة الشعبية في صنع القرار.
الغريب انه ورغم كل المتغيرات التي وقعت وتقع يوميا داخل البلاد وفي المحيط العربي، الا ان هناك اصرارا على تجاهل التعامل مع استحقاقاتها، لا بل يُجرى الالتفاف عليها وإحكام القبضة المركزية على كل مفاصل الحياة السياسية.
عدم النظر الى التداعيات الاجتماعية للاوضاع الاقتصادية، وعدم الالتفات إلى معالجات وطنية جادة لأزمة المديونية والعجز يفتح خزائن الفوضى واليأس من إصلاح الاوضاع في البلاد، ويؤثر على استقرار البلاد، والسير بها إلى المسارات الخطرة.
في الفترة الماضية، شاخت الحكومة، وهرمت كثيرا، واضطر رأس الدولة إلى تدخل ملكي بتخفيض أسعار الكاز وتثبيتها، بعد أن شعر بحجم الغضب الشعبي في صدور الاردنيين، ومع كل هذا، إلا ان حجم التفاؤل بالتغيير في العقلية التي تدار بها السياسات الرسمية في أدنى مستوياته، لان التجارب السابقة قاسية، والحكومات في السنوات الاخيرة كانت بلا دسم سياسي، ولا يتعدى دورها تصريف وادارة أعمال الدولة.
لن نتجاوز المرحلة الحالية إلى بر الامان من دون استراتيجية اصلاحية شاملة في برنامج الحكومة، وعقل الدولة، وانجاح حوار وطني اقتصادي، ينتشل البلاد من أزماتها الخانقة ويحررها من شروط أدوات الرأسمالية العالمية، واملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.
الدايم الله…..