هل ستبقى بعض دول الشرق العربي مهيمن على سيادتها من أحزاب محور الممانعة ؟ كريستين حنا نصر

الشعب نيوز:-

انقسمت مواقف الدول العربية بين مؤيد للانتماء الى محور المقاومة والممانعة ، وبين قسم آخر من الدول العربية شكل ما يمكن تسميته محور الدول التي أبرمت معاهدات سلام مع اسرائيل ، وبالطبع تمّ تخوين القسم الثاني واتهام دوله بالخيانة ، وبينما في المقابل جرى تعظيم دور محور الممانعة والمقاومة، والذي يتم دعمه وبكل قوة وتمويل بمبالغ مالية هائلة من حكام الملالي في إيران.
وللأسف عندما نسرد اليوم الدول التي يتواجد فيها نفوذ محور الممانعة نجدها عديدة ، وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن ، ونجد أن معظمها تتشابه فيما بينها بعنصر واحد مشترك ، وهو واقع تدمير الدولة اقتصادياً ، التي تعيش فعلياً الهيمنة على المفاصل الاقتصادية والسيادية فيها ، خاصة فيما يتعلق بالجانب المالي والمصارف ، وذلك تماماً كما هو الحال مثلاً في لبنان ، حيث نرى أن الحزب أي حزب الله كان مهيمناً على الواقع الاقتصادي ، ومسيطر أيضاً على القرارات السيادية المالية للدولة، وبالطبع تقليص سيادة الدولة إلى حساب صالح الحزب المهيمن والمدعوم بالمال ، والأهم المزود بالصواريخ بذريعة أنه ضد العدو الاسرائيلي وتاريخ هذا الدعم كان طوال مدة تجاوزت أكثر من 30 سنة ، نتج عنها نفوذ قوي لحزب الله في لبنان ، ويبدو أن هذه الصواريخ كانت موجهة للداخل اللبناني ولإضعاف الدولة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلى كل الأصعدة الأخرى، طبعاً ناهيك عن دعم حركة حماس في غزة، خاصة من ايران مما قاد الى زيادة إشعال فتيل نار المعركة في غزة وبعدها كان الواقع الميداني التخلي عن أهل غزة ، والملاحظ أن هذا الأمر خلال هذه الفترة أسفر الى أن الاهالي دفعوا وما زالوا ثمناً باهظاً ما بين حركة حماس وما يسمى دعم وحدة الساحات ومحور الممانعة، والان أصبح من المعروف تماماً أن نتيجة السابع من اكتوبر هي تدمير غزة وقتل وتشريد أهلها، كما يلاحظ أن المناطق في قطاع غزة أصبحت غير مؤهلة للسكن فيها ، كونها مدمرة ولا يوجد هناك أي أمل قريب لاعادة اعمارها ، باعتبارها إما مدمرة بشكل كامل أو ترى بعض المناطق فيها مدججة بالألغام ، بمعنى أن هناك صعوبات وتحديات كثيرة فيما يتصل بامكانية اعادة الاعمار.
وعندما قتل أو استشهد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، فقد انقسم الشارع العربي الى قسمين ، قسم مؤيد لاغتياله خاصة في الشارع السوري، الذي عانى من تعاون حزب الله مع النظام السوري البائد وذاق ويلات التهجير من مناطقهم باتجاه ادلب ومنطقة الشمال الغربي السوري، والأهم أن حزب الممانعة المزعوم لعب دوراً في انقسام وخلق حقد طائفي بين المكونات المختلفة لبلدان الشرق العربي ، حيث أن نفوذ هذا الحزب أدت للأسف الى إحداث شرخاً طائفياً وعرقياً في المجتمع، الى جانب مساهمة الحزب في افتعال وزيادة النعرة والإقتتال الطائفي بين أبناء المجتمع الواحد ، والتي أسفر عنها حرب وصراع طائفي بين المكونات الموجودة في الوطن الواحد ، وعلى سبيل المثال في سوريا واثناء الحرب وحتى اليوم ، نجح محور الممانعة في تفكيك المجتمع وتعميق حالة انقسامه في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وقد شهدت هذه البلدان تزايد نفوذ و وجود لميليشيات هذا الحزب المدعوم مادياً من ايران .
والسؤال المطروح اليوم، هو ماذا جلب محور الممانعة المدعوم ايرانياً الى دول الشرق العربي؟، التي تعاني من وضع اقتصادي صعب والذي تفاقم بعد الصراع في غزة بين اسرائيل وحماس على حساب دماء الشعب الفلسطيني والعربي المنكوب أساساً من محور الممانعة ، هذا المحور الذي طغى على مفاصل الدولة وخطف سيادتها .
والآن فإن الموضوع الأهم هو الدولة اللبنانية التي تحارب وتجاهد في سبيل السعي للقضاء كلياً على سلاح حزب الله ، الذي طغى على سلاح الدولة واغتصب ارادتها السيادية لسنوات بل لعقود طويلة، ومع مجيء رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي جوزيف عون الذي ينتمي للقوات المسلحة والجيش اللبناني بدأت ملامح محاولة الدولة بسط سيادتها ، فمنذ خطابه الأول لاستلام رئاسة لبنان كان العنوان الاساسي له هو السعي الى تدمير أي قوى تقع خارج قوى الدولة أي لا سلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية ، إضافة الى دعوته وتركيزه نحو اصلاح وترميم الاقتصاد اللبناني خاصة قطاع المال والمصارف .
لبنان اليوم هي في خضم الصراع ، بمعنى صراع تحرير لبنان من محور الممانعة الذي دمر معظم الدول التي تواجد فيها ، وللأسف هذا المحور ما زال حتى الآن يُصرح بقوة من خلال رئيس حزب الله الشيخ نعيم قاسم على عدم تسليم سلاح الحزب إلى جيش الدولة اللبنانية ، وبالرغم من الهزائم التي مُني بها الحزب ، خاصة بعد ما عرف بعملية البيجر ومقتل واستشهاد الزعيم الاقوى والاكثر تأثيراً في الحزب السيد حسن نصر الله ، واعتقد أن المرحلة القادمة سوف تشهد صراعاً وحرباً داخلية في لبنان ، هدفها القضاء على سلاح حزب الله بالقوة ، كونه وحتى الان ما تزال الدبلوماسية لا تبشر بالنجاح في مهمة إنها مسألة تسليح الحزب ، ويبدو أن هناك في الأفق معركة جديدة وحاسمة سوف تبدأ في أي وقت لحل هذه الأزمة المستعصية ، خاصة أن بوادرها باتت واضحة وتحديداً على الحدود اللبنانية السورية ، لذا يبدو أن قرار مجلس الأمن رقم 1701 والصادر في آب عام 2006م ، سوف يطبق فقط بعد القضاء على سلاح حزب الله .
مرحلة مهمة يمر بها لبنان والذي بات يقاتل دفاعاً عن سيادته على كامل اراضيه ، وتحت شعار لا سلاح الا سلاح الدولة وسلطتها ، واعتقد أن النتيجة سوف تؤثر حتماً على العراق وأيضاً فيما يخص مسألة وجود السلاح خارج اطار سلطة الدولة وقبضتها ، واعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد تأثر الحكومات المؤيدة والداعمة لمحور الممانعة والتي يمكن تقليص نفوذها أو تغييرها، باعتبارها متصلة بهذه القوى ، إن المرحلة المقبلة بكل تأكيد في البلدان العربية وحيث يتواجد محور الممانعة سوف تشهد حتماً تغييرات جذرية والتي من شأنها تغيير وجه الشرق العربي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، وتؤسس أيضاً لمرحلة جديدة أتمنى أن تكون أفضل لهذه الدول خاصة فيما يرتبط بمستقبل وتطلعات شعوبها .
والسؤال المطروح اليوم والمهم ، هو بما أنه بات واضحاً حالة الانقسام في المجتمع العربي في الشرق العربي ما بين محور المقاومة والممانعة والمحور الاخر الرافض لهيمنته وسطوته على الدول ، فهل وبعد كل هذا الخراب والاوضاع المتردية المزرية التي تعيشها المنطقة ، ستنجح هذه المجتمعات المنقسمة في لململة نفسها ؟ وهل تستطيع أيضاً وتملك القدرة على توحيد نفسها ؟ ليصبح لدينا عملياً مجتمع المواطنة الحقيقي الذي يملك أفراده أي مواطنيه الولاء والانتماء الوطني الكامل ، دون حاجتهم اللجوء الى الانقسامات الطائفية والعرقية ، وبالتالي التخلي عن جميع أشكال الانتماءات والولاءات الدينية والطائفية وما يتبعها من انقسامات ، خاصة في هذه الدول التي تعرضت للدمار وتعيش اليوم الضعف ، وفي ظل وجود احزاب وميليشيات الممانعة التي نخرتها وزادت من تفككها وتحدياتها .
ومن الواضح واقعياً أنه وللأسف بأن قوى الممانعة لم تقدم مساعدات للشعب المنكوب في غزة كما قدم الأردن مثلاً وبكل شجاعة وضمن كل امكانياته المتاحة المساعدة الاغاثية الانسانية للأهل في غزة ، من مستشفيات ميدانية وكوادر طبية عالج منتسبيها الشعب الفلسطيني وقاموا بعمليات جراحية ناجحة ، كل هذه الجهود خاصة تأتي في إطار ما وعد به جلالة الملك عبد الله الثاني رعاه الله وتمّ تنفيذه بمعالجة الاطفال الغزيين في مركز الحسين للسرطان واستقبالهم الكريم مع ذويهم على أرض المملكة الاردنية الهاشمية الى جانب الدعم الشامل المستمر للأهل في غزة .
أعتقد أن الكلام والشعارات والتلويح بالتهديد لم يجدي نفعاً ، ولم يجلب ما يفيد للشعب العربي ، بل كانت نتيجته المزيد من الويلات والمعاناة ، واليوم نجد وبكل وضوح وعطاء النموذج الأردني الدؤوب في تقديم المساعدات الاغاثية والجهود الدبلوماسية الدولية النشطة الفعالة أكثر نفعاً عملياً للسعي الى تهدئة الصراعات دبلوماسيا الى جانب السعي نحو السلام لمنطقة الشرق العربي ، كون الاردن بقيادة جلالته يلعب دوراً مهماً ومفصلياً وبالأخص في الملف السوري المعقد حالياً.

قد يعجبك ايضا