المُندهشون من سوداوية الاستطلاع.. يكفي تَصفيقًا !

4٬418
الشعب نيوز:-
أسامة الرنتيسي –

 قليلون هم الذين أخذتهم الدهشة من أرقام استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية،  فحالة الإحباط العامة لا تَخفى على أحد، ولا تحتاج إلى استطلاعات رأي، فقد انتقلت العدوى إلى أكثر الناس تفاؤلًا، فلا يعلم أحدٌ ماذا سيقع غدًا، فالأمور تسير على قاعدة “سارحة والرب راعيها…” وحتى هذه إلى متى؟!

لا تحتاج أوضاع المواطنين المعيشية الصعبة إلى شواهد، فالحال مكشوفة للجميع، والضغط المتوالي على لقمة العيش أصاب الفئات جميعها، المسحوقة أصلًا، وقد سحقت خلال سنتي كورونا وما بعدهما ما تبقى من الطبقة الوسطى، حتى طبقة الكرِيمة 5 % المُنعمة، بدأت تتململ، حالها حال المسحوقين، وبات لديها شكاوى بأشكال مختلفة.

.. “والله لا أجد سوى الخبز والشاي أطعمهما لأولادي” صرخة تسمعها هذه الأيام كثيرا، وتسمع أيضا عن معاناة المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية، وكيف لا تكفي الدنانير القليلة التي يتقاضونها لتوفير الاحتياجات الأساسية.

لقد مرت علينا قبل سنوات بروفة قاسية لقياس حجم الفقر والحاجة في الأردن، فكنا نرى الطوابير تصطف أمام فروع بنك الإسكان المعتمدة لاستلام مبالغ زهيدة كانت أقرتها الحكومة للمواطنين المحتاجين بدل دعم الوقود، وكم كانت لغة الأعين فاجعة التي كان مصورو الصحف يلتقطونها لرجال ونساء يحاولون أن يتخفوا خلف بعضهم حتى لا يُعرفوا أمام الكاميرات.

هذه البروفة المؤلمة، لم تقف عندها أية جهة معنية بالدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، مع أنها ساحة حقيقية لمعرفة أوجاع الأردنيين، الذين تعبوا كثيرا من شد الأحزمة على البطون الخاوية، وقد تعبوا أكثر من سلسلة الارتفاعات في نسب التضخم التي طالت مرافق الحياة جميعها في الأردن، ومن الضرائب التي لا تنتهي، ومن شكاوى الحكومة التي لا تتوقف، عن صعوبة الأوضاع التي تمر بها المالية العامة للدولة.

ليس حديثَ مختصين، ولا قراءات معتمدة على دراسات، لكن كل ما يجري في الأردن، من إضرابات عمالية في عدد واسع من المؤسسات، وما يقع من عنف اجتماعي، وارتفاع نسب الطلاق، ومشاجرات أُسَريَّة تُشْهَر فيها الأسلحة النارية فورًا، والغضب والعنف في خطاب الأردنيين، سببه الأول والأخير الأوضاع المعيشية الصعبة التي يَحْيَوْنَها.

عندما يقف الإنسان عاجزًا عن تأمين حاجات أسرته من المأكل والملبس وأساسيات الحياة، فإن غضبا عنيفا سوف يُختزل في صدر ولي أمر طالب جامعي، عندما يعجز عن توفير قسطه ومصروفه، فإن “عفاريت الدنيا” تتراقص أمام عينيه، وعندما لا تجد أسرة إلا الخبز والشاي (إن وُجِدا) لتقتات بهما، فلا يتوقع أحدٌ أن يكون هناك اطمئنان وشعور بالأمان لدى المواطن الأردني.

تنص الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الدستور الأردني على: “تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكاناتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص للأردنيين جميعهم”، فهل تستطيع الحكومة أن تدَّعي أنها لا تخالف الدستور.

لا نريد أن نحاسب الحكومة على قضية العمل والتعليم، فنحن نعرف إمكانات الدولة جيدا، لكننا لن نتنازل عن قضية الطمأنينة، وأتحدّى أن يتجرَّأ مسؤول حكومي على نفي تسرب عدم الطمأنينة إلى عقول وقلوب الأردنيين، وأصبح الخوف من المستقبل وضبابية المرحلة يسيطران على مُخيَّلات الجميع.

نصيحة إلى المُندَهشين من استطلاع الرأي وأرقام الحكومة والرضا عنها، يكفيكم تصفيقًا، فالأوضاع واضحة جدا، والشمس لا تغطى بغربال، فلا تتهموننا بالسوداوية..

الدايم الله…

قد يعجبك ايضا