كَريشَةٍ في مَهَبِّ الريحِ… بقلم /د. ريتا عيسى الأيوب

445
الشعب نيوز:-

أَشْعُرُ بِنَفسي أَحْياناً…
كَريشَةٍ كانَتْ قَدْ سَقَطَتْ مِنْ جناحِ أَجْمَلِ طَيْرٍ… كانَ مُحَلِّقاً بالأُفُقِ… واشِكاً الوُصولَ إلى هَدَفِهِ… ذاكَ الهدفِ الذي طالَما قَدْ حَلُمَ بِهِ…
كَريشَةٍ تَتَجاذَبُها نَسَماتُ الريحِ… تارَةً شَرقاً… وتارةً غَرْباً… غَيْرُ مُدْرِكَةٍ لِمَصيرِ ذاكَ الوُقوعِ…
فالريشَةُ كانَتْ قد لازمَتْ الطَّيْرَ سنيناً… بَلْ كانَت أَوَّلُ ريشَةٍ تَنْبُتُ في جناحِهِ الأَيْمَنِ… والأَقْرَبُ إلى قَلْبِهِ…
فالطَّيْرُ لَمْ يَكُنْ بالِغَ الجمالِ فَحَسْب… بَلْ كانَ جَميلاً في كُلِّ شَيءٍ… وَخاصَّةً في جمالِ قَلْبِهِ…
ذاكَ القلبُ الذّي احتواني… كما تَحتوي الطّيورُ صِغارِها… فَتَراها تَحْميها مِنْ كُلِّ خَطَرٍ قَدْ يُداهِمُها… وَأَيُّ خَطَرٍ قَدْ يَجرؤُ على الاقترابِ مِنْها إِذْ تراها دائِماً عَلى أَهُبَّةِ الاستعدادِ…
فَتَراني قَدْ سَقَطْتُ بَغْتَةً… في لَحْظَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ في الحِسْبانِ…
سَقَطْتُ وَأَبْعَدْتُ عَنْهُ كَثيراً… قُرابَةَ بُعْدَ الأَرْضِ عَنْ السَّماءِ…
فما كادَ أَنْ يُدْرِكَ فُقْداني… إلى أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ اسْتِحالَةَ إنْقاذي…
وَلَكِنَّ وَفاءَهُ لي قَدْ مَنَعَهُ… مِنَ التَخَلّي عنّي… وَعَنْ نَبَضاتِ قَلبي… التّي كانَ قَدْ اعتادَها… بِثَوانٍ…
وَمِنْ دونِ أَيَّةِ أَدنى تَفْكيرٍ… هَبَطَ لاحِقاً بي مِنْ سابعِ السَّمَواتِ…
فما أَوْشَكَ بِهِ أَنْ يَلْحَقَ بِيَ… إلى أَنْ هَبَطْتُ أَنا في مَكانٍ ناءٍ…
مَكانٌ… لَنْ يُدْرِكَهُ هُوَ… حتّى لَوْ جابَ عَلَيَّ كُلَّ البُلْدانِ… وفي جَميعِ الأزمانِ…
فيا لَيْتَهُ ما سَهَى عنّي بِدايَةً… لَما كُنّا قَدْ افتَرَقْنا بِتِلْكَ الثواني…
ثَوانِيَ إِهْمالٍ… قَدْ لَمْ تَكُنْ مَقْصودَةً… إِلاَّ أَنَّها قَدْ فَرَّقَتْنا لِدَرَجَةِ الحِرْمانِ…
حِرْمانٌ قَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بالمُؤَبَّدِ… وَهَكَذا سَوْفَ يَبْقَى… الآنَ… وفي جَميعِ الأَزمانِ…
فباللَّهِ عَلَيْكَ يا طَيْرُ… عُدْ مِنْ حَيْثُ أَتَيْتَ… واتْرُكْني باقِيَةً في بُلْداني…
بُلْدانٌ كُنْتُ أَنا قَدْ حُرِمْتُ مِنْها… وَأَنا جائِبَةٌ مَعَكَ… وَشاعِرَةٌ بالأَمانِ…
أَمانٌ قَدْ حَرَمْتَني أَنْتَ الآنَ مِنْهُ… بِلَحْظَةِ إِهْمالٍ… فباللّهِ عَلَيْكَ أَنْ تَنْساني…

قد يعجبك ايضا