متى يعلنون وفاة المنسف؟

فارس الحباشنة

انا خائف على المنسف.  و ينتابني شعور كبير بان المنسف سوف ينقرض ويموت.

و المنسف يتحول الى وحي من التراث، يسترد الاردنيون حديثا بالذكريات عنه.

وتتناقل الاجيال محكيات عن المنسف، وبطولات وملاحم، وغيرها.

تذكرون لما كان المنسف يقدم على لحم بلدي، ورأس غنم في وسط صدر المنسف.

و تذكرون ان المعزب الغانم الفلاني كان يقدم ذبيحة على المنسف.

الان، لولا بيوت العزاء والافراح نصف الاردنيين واكثر يسمعون بالمنسف على السوشل ميديا.

و تدريجيا بدأ المنسف يختفي و ينقرض من موائد الاردنيين.   و المنسف نعم اكلة شعبية. ولكنها مكلفة وطبقية باختصار.

صدر منسف 3 كليو يكلف 65 دينارا دون لوازم أخرى.

رطل الجميد الكركي 40 دينارا، و كليو اللحم الجدي 12 دينارا، و الخروف 13 دينارا، و رطل السمن البلقاوي 50 دينارا.

فيديوهات ناشطي الطبايخ على السوشل ميديا تجلب مشاهدة مئات الاف من المتابعين لان الناس محرومون من المنسف في الواقع.

و يلجأون الى ملاذات افتراضية ليعوضوا نقصا غرائزيا يشبع شهواتهم المعدوية، و يشاهدون فيديو لطبخ منسف، و تناوله.

في عيد الاضحى في الكرك وزعت لحم أضاحٍ على عائلات مستورة.

رب اسرة موظف حكومي، و عندما رأى «كيس اللحم» اجهش بالبكاء، و اقسم بالله، انهم من عيد الاضحى الماضي لم يأكلوا لحما.

غرف التشريع في الدولة المشغولة اليوم في اقرار قانون الجرائم الالكترونية لو انها تدرج بندا يجرم نشر صور الطعام و العزائم على السوشل ميديا.

وصور الطعام تحض على الكراهية الطبقية، وتجيش على العصيان و التمرد والثورة الاجتماعية، وصور الطعام تحض على الازدراء السماوي، و صور الطعام تذكرنا في مقولة الخليفة العادل عمر بن الخطاب : لو كان الفقر رجلا لقتلته.

سوف ينقرض المنسف ليس لأن الاردنيين غيروا من نمطهم الغذائي، و ليس لان الاردنيين تطوروا و تحولوا الى نباتيين» فيرجين و سي فود «.

ينقرض لان الاردنيين عاجزون عن طبخه، ولانه تحول الى حلم وأامنية لاردنيين فقراء وتعساء، وكيف الحلم و الامنية مع الوقت تتحول الى ذكرى من الماضي، و الماضي الى تراث، و التراث الى اشارات و رموز معلقة على رفوف المتاحف.

ما سوف ينقرض ليس المنسف / بل هم اهل المنسف واقولها بحرقة وحسرة، وانا انتمي اليهم. دعونا نفكر ونتخيل هنا بأردن ما بعد المنسف.