
حسين صالح الزعبي يكتب »كنّا صغاراً »
الشعب نيوز:-
في بداية العقد الثاني من اعمارنا، أي مع نهاية سبعينيات القرن الماضي.
كنّا أطفالاً صغاراً ،مجموعة أصدقاء متقاربيّ السن،نذهب من بعد صلاة الفجر إلى الأراضي السورية المحاذية لقرانا،مكان سد الوحدة حالياً.
كنّا نسير ليلاّ راكبيّ الدواب، لا نعرف الخوف أبداً،رغم حداثة أعمارنا.
كان وقتها مسموحاّ لنا عبور الحدود الوهمية بيننا وبين سوريا الشقيقة،بدون تصاريح دخول،نجتاز نهر اليرموك إلى الأراضي السورية على الدواب أو سيراً على الأقدام أحياناً.
كانت الرحلة تستغرق منّا وقتاّ ما يقارب النصف ساعة ذهاباً، وفي العودة تتضاعف المدّة لأسباب عدة.
منها… الحمل الثقيل على الدواب ، ولوعورة الطريق، والطلوع الحاد الذي كان يواجهنا.
نسير معاً كخط حرب ذهاباً وإياباً، كان عددنا آنذاك عدد أصابع اليد،وقد يزيد أحياناً.
كانت رحلة ممتعة حقاً، كان أحدنا يغني لنا (هجيني) والبقية نردد وراه،أو كان أحدنا يعزف على الشّبّابة (الناي) والبقية تردد معاه،وكان يشوبها المزاح والنكت أحياناً،إلاّ إنها لا تخلو من بعض المخاطر ومن التعب والمشقة أحياناً أخرى.
كانت رحلتنا هذه تتكرر بالإسبوع من ثلاث إلى أربع مرّات وربما تزيد،إلاّ إننا كنا وقتها مستمتعين فرحين.
فالمناظر الخلاّبة والمزروعات الفسيفسائية في الجانب السوري، والصحبة البريئة الجميلة،كانتا تُنسينا مشاق الطريق وعناء السفر.
كان ينتابنا شعور حزين عندما كنا نرى أراضينا الأردنية ،أرض قاحلة وخربة
أعشاب يابسة، ووجوه عابسة يائسة،كانت وما زالت حتى يومنا هذا.
بينما الأراضي السورية مروج خضراء تسّر الناظرين ،وما زالت…!!!
كنّا هكذا…نأتي بحملنا من الخضروات،بندورة ،خيار،وغيرها…بأسعار زهيدة، فرحين مبتهجين.
متزودين ببعض الأعشاب كالبقلة (فرفحينا) والنعناع والبقدونس والخردلة وغيرها،هذه إضافات على الحمل، كان اخواننا المزارعين السوريين يعطونا إياها بالمجان.
إذا أكلت حبة خيار،تبقى رائحة فمك تفوح منه تلك الرائحة طيلة اليوم وأكثر…طبيعي بدون هرمونات.
كنا نعمل ونجدّ ونتعب، نتحمل جزءاً من المسؤولية لنساعد أباءنا في إزاحة بعضاً من الحمل الملقى على عاتقهم،ناهيك عن الأعمال الأخرى التي كنّا نقوم بها أثناء العطلة الصيفية.
كحصيد القمح والعدس وغيرها، وما يتبع من أعمال أخرى.
كنا كجيل اليوم تماماً…
الذي يسهر ليلاً،وينام نهاراً…!!؟؟
يأكل ما لذ وطاب ومش عاجبه إشي ويتذمر،رغم توفر كل سُبل الرفاهية والعيش الكريم لهم.
كنا نأكل صنفاً واحداً من الطعام، أو حسب المتوفًر،وإن لم نجده نغادر بصمت…!!!
ما علينا…
كانت الحبيبة سوريا وما زالت بلد الخيرات والبركات.
فهي الرئة الثانية، والمتنفس الوحيد لنا كأردنيين.
رغم الحرب والدمار الذي لحق بها ،ورغم التآمر الدولي والإنحطاط والخذلان العربي،بقيت سوريا وانهزم الجمع.
ما زلتِ وستبقين في أعيننا كبيرة ،وحصن منيع ضد كل قوى التآمر والبغي والعدوان، الذين حاولوا اضعافكِ وتركيعك ِ، وها أنت ٍ اليوم رجعت ٍإلى الحضن العربي،لتصبحي الأقوى والأجمل والأبهى…!!!
سوريا التي لم تُطبّع مع الكيان الصهيوني، كبعض العرب المهرولين والمنبطحين، تحت أقدام الصهاينة المحتلين الغاصبين.
دامت سوريا،ودام عزّها،وحماها الله من كيد الحاقدين،ومكر الشامتين.
سوريا الله حاميها…!!!