جهوزية وجودة وصمود البنى التحتية في مواجهة الكوارث الطبيعية
الشعب نيوز:-
زياد الرفاتي*
عمان- تصاعدت حدة الكوارث الطبيعية في مختلف أنحاء العالم خلال الفترة الأخيرة من أعاصير وفيضانات وحرائق وارتفاع كبير في درجات الحرارة وجفاف وعواصف ثلجية ونزول البرد ناتجة عن غضب الطبيعة وغضب الأرض وقصور التعامل بجدية مع التغيرات المناخية سواء على مستوى الدول أو الأفراد أو الأنشطة الاقتصادية وعدم الالتزام في توفير التمويل الكافي وبشروط ميسرة لتدفع الدول نحو الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الكربونية والذي لم يتم الايفاء به.
وأقر مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 تمويلا بقيمة 100 مليار دولار ولم ينفذ وتبعه مؤتمرات متوالية، وقد استشرى خطر التغير المناخي وتحول إلى فوضى مناخية يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته ويبدو حسب الرؤية أنه تركها للإرادة الشخصية للأفراد والحكومات ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه تلك المخاطر، فالانبعاثات ترسل من المنتجين الصناعيين في القطاع الخاص والمستهلكين وهذا يفرض اقناع المنتجين بالإنتاج النظيف والتحول إلى الاقتصاد الأخضر واستخدام مصادر الطاقة النظيفة والاستثمار فيها واقناع المستهلكين بتغيير عادات وأنماط الاستهلاك في البلدان المتقدمة والنامية والفقيرة الذين يسرفون كميات كبيرة من المياه والطعام ويتعاملون معها بشكل غير رشيد وتسيء للبيئة وما ينتج عنها من مخلفات تؤدي إلى التلوث البيئي وتراكم النفايات الصلبة وانبعاث غازات الميثان، والإنتاج والاستهلاك المستدام يجب أن يكون كل حسب حاجته وليس حسب إمكانياته ويساهم ذلك في تخفيض كميات النفايات وانبعاثات الغازات.
وفي استطلاع للرأي فيما إذا كان العالم جاهزا للتعامل مع التغير المناخي أجاب 17 % من المستطلعين بنعم و83 % بلا.
تعتبر البنى التحتية من أبرز ضحايا الكوارث والأضرار التي تلحق بها تمثل الجانب الأكبر للخسائر الاقتصادية للكوارث الطبيعية وتكاليف إعادة الإعمار تتجاوز عادة الأضرار المباشرة للكوارث الطبيعية وكل دولار يتم إنفاقه للاستعداد للكوارث وتحسبا لوقوعها يوفر 6 دولارات لاحقا.
والخسائر العالمية بسبب الكوارث الطبيعية بلغت 6 تريليونات دولار في الخمسين سنة الأخيرة أما عام 2022 فقد بلغت 270 مليار دولار، و120 مليار دولار حجم الخسائر في النصف الأول 2023 و50 مليار دولار تعويضات شركات التأمين عن الكوارث الطبيعية في النصف الأول 2023، وهناك دعوة إلى انشاء صندوق عالمي لتعويض البلدان النامية والفقيرة.
والكوارث الطبيعية أصبحت حاضرة بقوة في قائمة تحديات الدول الاقتصادية، والكوارث الطبيعية التي ضربت ليبيا واليونان والمغرب وتركيا وسورية خلفت خسائر بمليارات الدولارات.
والبنى التحتية استثمارات ضرورية للحماية من الكوارث، وهناك أربع دول عربية ضمن الأفضل عالميا في جودة البنية التحتية وهي الإمارات في المرتبة 26 عالميا والأولى عربيا والسعودية 34عالميا والثانية عربيا وقطر 38 عالميا والثالثة عربيا والأردن 55 عالميا والرابعة عربيا.
ويرى باحثون عرب أن إدارة الأزمات والاستشعار والاستجابة السريعة والاستفادة من الأبحاث العلمية ومراكز الاستشارات لا تعيرها بعض الدول العربية الاهتمام، وأهمية انشاء وزارة الأزمات والاستجابة السريعة بالرغم من أنها لا تحمي من الكارثة ولكن تحاول احتواء أو تقليص الأزمة بأقل الخسائر والتكاليف
والحاجة إلى تفعيل منظومة عربية لإدارة الأزمات والاستجابة تحت مظلة جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك ومركز أبحاث وأرصاد جوي يعنى بتقديم الاستشعارات والنصائح والمشورة للدول العربية، فالأعاصير يمكن الاستشعار بها والزلازل تختلف طريقة التعامل معها إذا كان التعامل بشكل علمي ومدروس ونشر الوعي الشعبي بعدم الخروج من المنازل وعدم الاقتراب من البحر في حالة الأمواج المرتفعة أو عدم الاقتراب من مناطق الهزات الارتدادية، والتقليل من البيروقراطية بتغيير آلية اتخاذ القرارات ميدانيا وإيجاد حلول سريعة دون الرجوع إلى الإدارة المركزية التي تبعد عن مركز الكارثة وعدم الدراية الكافية لديها عن حجم الكارثة.
وزلزال المغرب بقوة 7.2 درجة على مقياس ريختر الذي ضرب إقليم الحوز في جبال الأطلس قبل أيام، يغلب على سكانه الطبقة الفقيرة والمساكن ذات البناء الطيني والحجارة وفرض تحديات اقتصادية على الحكومة المغربية ويسبب خسائر قد تصل إلى 10 مليارات دولار تعادل 8 % من الناتج المحلي الاجمالي المغربي وتأثير التداعيات على قطاعي السياحة والطاقة مع أضرار في المباني التاريخية والسياحة أكثر القطاعات تضررا حيث يساهم بنسبة 7 % في الناتج المحلي ويوظف نصف مليون شخص، والحكومة تتعهد بخطة شاملة لإعادة الإعمار بعد الزلزال تتكون من ثلاث مراحل الإنقاذ وإعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق وغيرها، ووزارة الداخلية المغربية تعلن عن ارتفاع عدد ضحايا الزلزال إلى ما يقارب ثلاثة آلاف قتيل و5530 جريحا مع استمرار عمليات الإنقاذ، واستمرار عملية نقل المساعدات إلى القرى الجبلية المتضررة رغم الصعوبات اللوجستية ونشاط كبير في ذلك للمبادرات الأهلية والمتطوعين من كل المدن والقرى المغربية هبوا لمساعدة سكان المناطق المتضررة واستخدام الدواب لنقل المساعدات الأساسية والغذائية، والانهيارات الجبلية على الطرق عرقلت وصول المساعدات بالسيارات والمركبات وأوضاع إنسانية مأساوية يعيشها المتضررون من الزلزال المدمر وأعداد كبيرة منهم يقطنون في خيام مؤقتة ودمار المدارس والمستشفيات والمرافق الصحية والتعليمية يؤثر كثيرا على الأطفال.
وقد خصص الديوان الملكي المغربي مساعدات لملاك نحو50 ألف مسكن في خمسة أقاليم متضررة بواقع 14000 دولار لكل منزل مدمر بالكامل و8000 دولار لكل منزل متضرر جزئيا ويوجه تعليمات باحصاء اليتامى جراء الزلزال ومنحهم صفة “مكفولي الأمة “وفتح باب التبني والإعلان عن خطة عمل لإعادة إعمار المناطق المنكوبة بسبب الزلزال والحكومة المغربية تقرر إجراء اقتطاعات مالية من أجور الوزراء والموظفين لدعم ضحايا الزلزال بواقع راتب شهر، ووكالات اقتصادية دولية تشير إلى أن المالية العامة للمغرب في وضع جيد للتعامل مع تداعيات الزلزال بفضل استثماراتها.
وفي الجانب الاقتصادي، فقد أعلن المغرب مؤخرا عن اكتشافات جديدة من الغاز تدعم قدرة البلاد على مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات، واشهار بنك المياه الدولي لمواجهة النقص الحاد في المياه واستقطب مستثمرين من المنطقة العربية وأوروبا وافريقيا، وتباطؤ التضخم في تموز 2023 للشهر الخامس على التوالي مسجلا %4.9 على أساس سنوي مقابل 5.5 % في حزيران، والاعلان عن خطة لرفع عائدات السياحة إلى 12 مليار دولار سنويا وجذب 17.5 مليون سائح بحلول العام 2026، وأضاف مليار دولار إلى موازنة الدولة لعام 2023 لكبح التضخم وتوفير المياه ودعم السياحة، وقد تخطت إيرادات السياحة وصادرات السيارات 7.7 مليار دولار في الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي، وعودة زخم النمو للاقتصاد المغربي بالربع الأول 2023 بنسبة 3.5 % على أساس سنوي بدعم من التعافي القوي للنشاط الزراعي بعد انحسار الجفاف، ويساهم القطاع الزراعي بنسبة 14 % من الاقتصاد المغربي.
والمغرب يتوقع تدفق 13.8 مليار دولار من تصدير السيارات في العام 2023 وصناعة السيارات تسهم في توفير 238 ألف فرصة عمل دائمة، ويخصص أراضي إلى 454 مشروعا للاقتصاد الأخضر باستثمارات تبلغ 60 مليار دولار.
وجارتها ليبيا بفعل اعصار دانيال المتوسطي الذي ضرب مدن الشرق الليبي ومدينة درنة الأكثر تضررا من قوة العاصفة، وهي عاصفة استوائية سرعتها تتراوح بين 63 – 118 كم / ساعة.
ووزارة الداخلية الليبية تعلن أن الأزمة التي حلت بمدينة درنة شرق ليبيا كارثية وكل المؤشرات تدل على أن المدينة انهارت تماما وأصبحت ركاما وأحياء اختفت وغيرت ملامح مناطق عديدة، وحسب رأي محللين ليبيين فإن سبب ذلك البنية التحتية المتهالكة والصراع والتناحر على السلطة والمناصب والمكاسب والتغير المناخي معا، وحديث عمدة بلدية درنة بأن انهيار سدي المدينة يؤكد ضرورة إجراء الصيانة لوجود تصدعات منذ عام 2008 ومنذ ذلك العام لم تتم عمليات صيانة لها رغم رصد المخصصات المالية اللازمة وإبرام العقود مع شركات أجنبية والتشكيك في قانونيتها وسحب الأموال من البنوك دون تنفيذها والتي تخضع لتحقيقات النيابة العامة حاليا في أسباب عدم الصيانة، وانهيار السدين كان متوقعا للإهمال ولسوء الإدارة والفيضانات كانت متوقعة كون المدينة تقع على ساحل البحر المتوسط وسكانها يبلغ عددهم 145 ألف نسمة وهي الأكثر تضررا في مدن شرقي ليبيا التي تعرضت للاعصار والتي سكانها 900 ألف نسمة.
واعتبر مجلس النواب الليبي أن المسؤولية تضامنية من جميع الجهات التي تعتبر السدود بمثابة حياة أو موت وفصل الانهيار المدينة إلى نصفين وتسبب في جرف أحياء كاملة من المدينة والتحذيرات السابقة من قابليتها للفيضانات دون إجراء لمواجهة ذلك، والأضرار التي لحقت بالبنى التحتية أعاقت وصول المساعدات وحجم الكارثة في مناطق الاعصار كبير جدا وهناك حاجة لدعم دولي وأن الكارثة أكبر من إمكانيات الدولة.
وقد تسبب الاعصار المتكون في البحر الأبيض المتوسط وما نتج عنه من فيضانات وسيول في مقتل قرابة 11000 شخص وفقدان 20000 وتشريد أكثر من 30000 من مدينة ساحلية تقع على البحر.
وفي استطلاع إعلامي غربي، فقد أظهر 79 % من المستطلعين أن سبب الكارثة يعود إلى ضعف البنية التحتية و21 % للتغير المناخي، والأمم المتحدة تحذر من تفشي أمراض الكوليرا والسل والحصبة في مدينة درنة وكان يمكن تجنب الكثير من الضحايا وتقليل الخسائر البشرية لو تم التنسيق المشترك بين الحكومتين اللتين تدير ليبيا واحدة في الشرق والأخرى في الغرب وعدم توفر منظومة إدارة المخاطر واستشعار الخطر وأنظمة الوقاية والمواجهة وعدم إطلاق التحذيرات المسبقة وأن الأزمة والانقسامات السياسية في ليبيا وضعف البنى التحتية والصيانة المهملة في المدن زادا من تداعيات كارثة الفيضانات وتفاقمها وأعاق تنسيق عمليات الانقاذ جراء الاعصار وما نتج عنه من فيضانات وسيول، وكان انهيار السدود سببا رئيسيا في إغراق المدينة، وحجم الكارثة في ليبيا ما يزال مجهولا وأعداد الضحايا في ازدياد وظروف معقدة تعيق احصاء الأضرار وما يزال البحث جاريا عن الجثث التي جرفتها السيول للبحر.
وحسب خبراء فإن الأزمات الداخلية منعت ليبيا من الاستعداد للكوارث الطبيعية وأن الخلافات بين شطري ليبيا عميقة ومن شأنها أن تعقد عمليات الانقاذ وتحذيرات من أوبئة وأمراض تخلفها الفيضانات والجثث المتكدسة في شوارع ليبيا أثر السيول ودفن الجثامين بمقابر جماعية وإعلان مركز مكافحة الأمراض عن خروج كثير من المستشفيات عن الخدمة ونقص الكوادر الطبية والنظام الصحي المتهالك وتسجيل حالات تسمم بين الأطفال بسبب المياه الملوثة والحاجة إلى مياه نظيفة صالحة للشرب ونقص فادح في المواد الغذائية نتيجة انهيار الجسور وكذلك الحاجة إلى المعدات للبحث عن الضحايا تحت الأنقاض ووجوب إعلان الطوارئ لمدة سنة في المدن المنكوبة.
وليبيا بحاجة ماسة إلى كل أنواع المساعدة والمزيد من الدعم الدولي حيث تواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وحسب الفريق الحكومي الليبي فإن 3 ملايين متر مربع من الطرق والجسور تضررت بفعل العاصفة وانهيار خمسة جسور داخل درنة وكذلك تدمير جسور وطرق وأراض زراعية وجرفت عمارات سكنية.
وقد وصلت فرق انقاذ دولية وبدأت مهامها ومنها فريق البحث والانقاذ الدولي الأردني للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ وصدرت التوجيهات الملكية السامية إلى الحكومة بإرسال كل ما يلزم من مساعدات إغاثية إلى ليبيا والمغرب وقوفا من المملكة إلى جانب الأشقاء العرب في هذه المحن والظروف الطبيعية الصعبة وإعلان جهاز الاسعاف والطوارئ في ليبيا بدء اخلاء واجلاء المواطنين من درنة ومنع دخول المدنيين اليها.
والاتحاد الأوروبي وجه مساعدة بقيمة 2.25 مليار يوروو من أجل أن يساهم في إعادة الإعمار بعد الانتهاء من تقييم الأضرار، والبرلمان الليبي يقر ميزانية طوارئ بقيمة 2 مليار يورو للمناطق المنكوبة.
وليبيا دولة نفطية تعتمد في مواردها المالية على النفط والغاز، وقد انكمش اقتصادها بنحو12 % خلال العام الماضي بفعل انخفاض السيولة وارتفاع البطالة والدين العام الذي وصل إلى 83 % من الناتج المحلي الإجمالي الليبي.
*خبير اقتصادي ومالي