“تحرير” الأسرى.. طليعة “بنك الأهداف” الأميركية؟

115
الشعب نيوز:-

 جورج علم 

لا أولويّة لدى الإدارة الأميركيّة تتقدّم على أولوية إطلاق الأسرى الأميركيّين لدى “حماس”، وكلّ كلام آخر هو من باب التمهيد والتسهيد لبلوغ هذا الهدف.

ما يجري خطير، ويحمل أكثر من عنوان. هناك عمليّة خلط أوراق واسعة لا سابق لها، ومصالح دول على خطّ زلزال قويّ، وملفات ساخنة تتقاذفها رياح التطورات، وشرق أوسط جديد يولد من رحم المدافع، وأزيز الصواريخ، وقد يبصر النور على وقع توازنات دوليّة وإقليميّة جديدة، خصوصا أن المطالبين بتغيير الشكل لا يقتصر على الدمى التي تحرّكها أصابع خارجيّة، بل على الكبار القادرين على تحريك البوارج، ومعها تحريك الخطوط الحمراء وفق مقتضيات المصالح العليا.

هناك مسلمات…

أول المسلمات، أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن وتعهّد أمام الرأي العام الأميركي والدولي بأن مواطنيه الأسرى قضيّة لا تتقدّم عليها أيّة قضيّة أخرى، وقد أوعز لكبار مساعديه العمل على الإفراج عنهم بأقصى سرعة ممكنة. المسألة عنده، بقدر ما هي مبدئيّة، ووطنيّة، وسياديّة، هي سياسة أيضا، وبامتياز، على عتبة الانتخابات الرئاسيّة.

ثانياً، إن غرفة قيادة العمليات المركزيّة لمجريات الأمور، إنما هي على متن حاملة الطائرات، يتحكّم بمقدّراتها الجنرال الأميركي، ويدير اللعبة، ويصدر الأوامر، ويسمح بما هو مقبول، ويرفض ما هو مجهول. لديه سلّم أولويات، والأسرى على رأس القائمة.

ثالثاً، إن جولات وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن في المنطقة، من القاهرة إلى عمّان والرياض والدوحة، والاحتلال “الإسرائيلي”، و… كان الهدف منها تغليب الخيار الدبلوماسي على الخيار العسكري للحدّ من المعاناة، والتوصل إلى خريطة طريق مشتركة، إحدى أبرز محطاتها الإفراج عن الأسرى.

رابعاً، طرأ على الخطاب الأميركي أكثر من تعديل، ومن إعادة نظر. بدأ غاضباً منحازاً بالكامل للإحتلال “الإسرائيلي”، وردود فعله الإجراميّة ضدّ المدنيّين العزل، سواء في قطاع غزّة، أو في الضفة، وأماكن أخرى، ثم تدرّج إلى تأييد العدوان لكن وفق ما ينصّ عليه قانون الحرب الذي يشدّد على حماية المدنيّين، ثم المطالبة برفع الحصار الإنساني، إلى إيصال المساعدات، إلى الممر الآمن، إلى إعادة النظر بالاجتياح البرّي… إن هذا التدرّج من أعلى درجات الإنفعال إلى إعادة النظر بمآل الأحوال، لا يعكس شعوراً إنسانيّاً بقدر ما يعكس عقلانيّة براغماتيّة تفرضها الحقائق القائمة على أرض الواقع، للوصول إلى أكل العنب أولاً قبل التفكير بقتل الناطور.

خامساً، أظهر القادة العرب ـ ربما من المرّات النادرة ـ شجاعة في مخاطبة الوزير الأميركي بعيداً عن التوسّل، والاستجداء، والأيدي المصفّدة بغلال الخنوع، والإستزلام. لقد خاطبوه من موقع الند للند، قالوا ما عندهم من حقائق، ومطالب، ومآخذ، وملاحظات. حمّلوا السياسة الأميركيّة المنحازة للإحتلال جانباً من مسؤولية ما يجري، أكدوا على حل الدولتين، وشدّدوا على أن لا سلام، ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم يحظ الفلسطينيّون بحقوقهم المشروعة…

قد يكون الرئيس جو بايدن في طريقه إلى المنطقة تحت مظلّة وارفة بالشعارات الشعبويّة المحمومة التي تلفظها عناقيد الغضب، من جانب هذا الطرف أو ذاك، لكن الواقعية تقضي بالقول أن أولويات عدّة تستوجب هذا التحرك المميّز بديناميته، أبرزها ثلاث على الأقل:

الأولى: غزّة.. ثمّ غزة… وليس هناك ما بعد غزّة إلاّ العودة إلى طاولة الحوار، مهما طال أمد الحرب، ومهما تعاظم عدد الأبرياء العزل الذين يدفعون ثمن هذه المجزرة الجائرة، التي ترتكبها وجوه سافرة، بغرض تحقيق مخططات مكشوفة. وهناك أكثر من “هولاكو”، ولكن هناك الحق الذي لا يمكن إغتياله.

الثانيّة: إن المحتل “الإسرائيلي” يعلن ويؤكد على تغيير شكل الشرق الأوسط. لكن التغيير الذي ينشده، ويصبو إليه لا يكون عن طريق تصفية القضيّة الفلسطينيّة، بل عن طريق إقراره بحل الدولتين، وحق القلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة. وكل ممانعة لهذا الحق ومكابرة بتجاهله، يعني أن هذه الحرب، على فظاعتها، ستكون مجرّد جولة، تمهّد لجولات أخرى من العنف، طالما أن القضيّة التي أنجبت “حماس”، قادرة أن تنجب أمثالاً مضاعفة لـ”حماس”.

الثالثة: هناك “بنك أهداف” أميركي استدعى حضور البوارج والمدمرات إلى المتوسط تحت شعار “دعم الإحتلال الصهيوني في مواجهة حماس”. لكن بالتأكيد أن هدف تحرير الأسرى الأميركيّين يبقى في الطليعة، وربما هو باكورة الأهداف الأخرى التي ستظهر تباعاً، ويُظهّرها شريط الأحداث…

قد يعجبك ايضا