ماذا يحدث في غزّة؟ إعداد: سليم النجّار – وداد أبوشنب
الشعب نيوز:-
“مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
د. عزام أبو الحمام المطور الباحث في الشأن الإعلامي من الأردن يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث في غزة؟”
بعض تداعيات حرب 7 أكتوبر من خلال الصور والمفاهيم الإعلامية
د. عزام أبو الحمام المطور
باحث في الشأن الإعلامي
استخدمت وسائل الإعلام الغربية مصطلح “الحرب” بينما استخدمت كثير من وسائل الإعلام العربية تعبير “العدوان على غزة”، هذا بعد أن تم استنفاد مصطلح “طوفان الأقصى” بعد بضعة أيام، بالنسبة لإسرائيل فقد أعلنت “الحرب على حماس”، وقد اتّخذ قرار الحرب من قبل نتنياهو بموجب البند 40 من القانون الأساسي للحكومة، وهو يعطيه هذه الصلاحية دون العودة إلى الكنيست، والأمر سيان على كل حال، فالجميع منهم يؤيد الحرب. في واقع الأمر فإن إسرائيل تنفذ حربا شاملة على الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده في غزة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948 وليس في قطاع غزة فقط، وهي ما تزال تمارس أعمالا حربية عدوانية اتفق معظم المراقبين على كونها “حرب إبادة” وليست حربا بالمفهوم القانوني للحروب، ولا يخفى أن استخدام مصطلح “الحرب ضد الإرهاب” الذي استطاعت إسرائيل بناء حلف دولي على أساسه بما يوفر لها غطاء لتجاوز جميع قوانين الصراع ومبادئه المشار إليها في القانون الدولي وفي المعاهدات الدولية، ومن ذلك مبدأ التناسب proportionality ومبدأ التمييز discrimination ، ومبدأ الضرورة العسكرية Military Necessity . ويعني مبدأ التناسب التزام الأطراف المتحاربة بحدود معينة في استعمال القوة العسكرية، بينما يعني مبدأ التمييز تحييد المدنيين نيران الحرب، أما مبدأ الضرورة العسكرية فهو أي عنف أو تدمير تبرره الضرورة العسكرية، ويكون استعمال القوة العسكرية مشروعا فقط عند محاولة تحقيق أهداف عسكرية محددة، وطالما بقي ضمن إطار مبدأ التناسب. وقد لاحظ المجتمع الدولي برمته تحدي إسرائيل السافر لهذه المبادئ بمعدلات لم يسبق لها مثيل منذ محاولات نشوء هذا الكيان في أربعينيات القرن الماضي، لكن لا يمكن للخيال الهوليودي أن يصل لما وصلت إليه اعتداءات إسرائيل على حرمة المدنيين ومنازلهم وعلى المشافي والمدارس ودور العبادة وكل مرافق الحياة الأخرى.
في الواقع إن المقاومة الفلسطينية توقعت وتنبّأت بأن يكون لعمليتها الأولى امتدادات وموجات أخرى ولهذا أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى”، وهو ما بدأت ملامحه في جبهات عسكرية متعدّدة (لبنان، العراق، اليمن، الضفة الغربية) إضافة إلى امتدادات جماهيرية في شتى أنحاء العالم، ومن المؤكّد أنها توقّعت ردّة الفعل الإسرائيلية التي تحوّلت إلى عدوان صارخ على المدنيين والبنى التحتية وعلى كل أسباب الحياة في غزة وعبّأت جميع مواردها المتواضعة وقواتها العسكرية على هذا الأساس.
نظرت معظم الدول الغربية- وربّما أغلب الدول العربية- وما زالت- إلى العدوان الإسرائيلي على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية باعتباره “عملية محدودة” أو “خاصة” دون أن يظهر ذلك في المصطلحات السياسية والإعلامية، والعملية هي ما يتعلّق بتحقيق مهام سياسية وعسكرية وعملياتية محدّدة تتلخّص في القضاء على المقاومة قضاء تاما، واستعادة المحتجزين، وتغيير الواقع السياسي في قطاع غزة، ولهذا فإن الأمر لا يستدعي، ولا يجب، أن يتّسع ليتحوّل إلى صراع إقليمي، وهذه هي الخطوط التي حدّدتها إسرائيل والولايات المتّحدة للجميع في المنطقة، بل وفرضت على كثير من دول المنطقة التعاون من خلال تقديم التسهيلات العسكرية للقوات الأمريكية العاملة في دول المنطقة، ثم كبح جماح أي عمل فعلي، سواء كان جماهيريا، أو أمنيا أو عسكريا من شأنه توسيع دائرة العملية/ الحرب، بمعنى أن تستفرد إسرائيل والولايات المتحدة وداعميهم من الغربيين بتنفيذ ما يرونه مناسبا في غزة والجبهات الأخرى، خصوصا مع الجبهة اللبنانية.
1-انكسار لوح الزجاج الأمامي لإسرائيل
منذ منتصف نهار السابع من أكتوبر فقد انتشرت صور وفيديوهات عملية كتائب القسام وما حققته ضدّ التجمعات والآليات العسكرية الإسرائيلية والحواجز والجدران الإلكترونية، ليس جيش الكيان فحسب هو من تضرّر من عملية طوفان الأقصى، فالأمر أبعد من ذلك بكثير على مختلف مستويات القوة الخشنة والناعمة، صور انكسار وحدات الجيش وضباطه وآلياته وخططه وأجهزته وأنظمته الإلكترونية ظهرت في المنصات الرقمية وبعض وسائل الإعلام الجماهيرية، ما حدث ذلك النهار كان انفجارا دوى صوته في أرجاء المنطقة، إنه انفجار الصورة التي بُنيت على مدى عقود من التهويل والتضليل الإعلامي والسياسي والنفسي، صوت هذا الانفجار يشبه تحطما عنيفا للوح الزجاج الأمامي لقطار مسرع خلال يوم شتوي عاصف، إذ لن يستطيع السائق بعد ذلك التركيز في توجيه القطار، وقد يفقد الرؤية في أية لحظة، أما الركاب المسافرون، فإن أيّا منهم لن يحظى بالدفء طوال هذه الرحلة، وسيختار الكثير منهم النزول من القطار في أوّل فرصة سانحة.
ستكون مشكلة إسرائيل كبيرة وعميقة في إعادة ترميم صورة محطمة، أو صناعة زجاج بديل، لأن إصلاح الزجاج الأصلي لن يكون بهذه السهولة، وعملية صناعة زجاج بديل ستستغرق سنوات طويلة، وقد لا تنجح العملية في النهاية لأنه لا يوجد أي ضمان بأنّ محاولات كسر هذا الزّجاج لن تتكرّر ما دام الشعب الفلسطيني لم ينل حقوقه المشروعة في دولة مستقلّة مستقرّة غير معرضة للتهديد أو لا تلبي الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني بدولته وعاصمتها القدس.
2-النمر الإسرائيلي استنجد بدول العالم من الساعات الأولى
كان من المثير والمفاجئ خصوصا للعرب أن يسارع قادة إسرائيل إلى طلب مساعدات عسكرية وتقنية منذ اليوم الأوّل للحرب وعبر وسائل الإعلام أيضا، أي أنهم لم ينتظروا عمل القنوات الرسمية التي تعمل بعيدا عن وسائل الإعلام. كان الاعتقاد السائد بأن إسرائيل هي قاعدة غنية بالأسلحة والخبرات والأنظمة الدفاعية والهجومية والتجسسية ومخازن الذخيرة ومصانعها، وأن لدى إسرائيل فائض قوة كبير يمكن توظيفه في أي حرب أو أزمة في المنطقة، وهو ما تمّ تسويقه لبعض الأنظمة العربية والإفريقية ربما باعتبار أنّ هذا الكيان عالي التسليح يمكن أي يحمي الأنظمة من أيّ تهديد داخلي أو عابر للحدود. كانت المفاجأة هي طلب إسرائيل العاجل للتزوّد بالقذائف بكل أنواعها منذ اليوم الأوّل. وبهدف إرسال رسائل طمأنة للشارع الإسرائيلي المهزوز، وللدول الأخرى التي من المحتمل أن تفكر بتوسيع الحرب، فقد استدعيت الكثير من وسائل الإعلام لتصوير وبثّ حركة طيران عسكري محمومة في المنطقة، وظهرت صورها وهي تصل إلى المطارات الإسرائيلية محملة بالذخائر والأسلحة، وشاهد العالم أيضا عبر وسائل الإعلام حاملات طائرات أمريكية عملاقة يجري تحريكها إلى سواحل المتوسط، وفيها أسراب طائرات حربية، وآلاف من العسكريين الأمريكيين من قوات النخبة. وبذلك، يجري تضخيم صورة القوة المساندة لإسرائيل علّ وعسى أن تعيد بعضا من هيبتها المهدورة، والمفارقة هنا هي أنّ إسرائيل هي من أصبحت بحاجة للعون والحراسة والإسناد خلافا للصورة الذهنية السابقة من أن إسرائيل مستعدة وعلى أهبة الاستعداد لأيِّ تدخل عسكري سريع في المنطقة.