وفاة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر

427
الشعب نيوز:-

توفي هنري كيسنجر، الدّبلوماسي الأميركي المثير للجدل والحائز على جائزة نوبل للسلام، في منزله في ولاية كونيتيكت الأميركية، عن عمر ناهز 100 عام.

وقالت مؤسسته الاستشارية التي تحمل اسمه، إنه توفي في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء بتوقيت الولايات المتحدة، دون الكشف عن تفاصيل بشأن ظروف وفاته، مشيرة إلى أن مراسم الدفن ستقام في إطار عائلي خاص، تليها مراسم تأبين في مدينة نيويورك.

نال كيسنجر الثناء لدوره في انفتاح الصين على الغرب، وتحقيق انفراجة مع الاتحاد السوفيتي، والبدء في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية في عهد الرئيسين الجمهوريين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، لكنه واجه انتقادات بسبب دعمه حملات قصف ضخمة في فيتنام وكمبوديا، ودعم دكتاتوريات في أميركا اللاتينية.

وفي يوليو الماضي، عندما كان يبلغ من العمر 100 عام، زار كيسنجر بكين، والتقى الرئيس الصيني شي جين بينج، لمناقشة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بصفته “مواطناً عادياً” وفق وصفه.

وخلال الزيارة، وصفه الرئيس الصيني شي جين بينج بـ”صديق الصين القديم”.

ونشر كيسنجر في عام 2011 كتاباً من 600 صفحة عن تاريخ الصين ودبلوماسيتها. وفي مقابلة مع “بلومبرغ” عام 2020، حذّر من أن الولايات المتحدة والصين “تنجرفان بشكل متزايد نحو المواجهة”، وهو ما يضع العالم أمام “كارثة مماثلة للحرب العالمية الأولى”.

 

** حرب فيتنام وبروز نجم كيسنجر

عندما أدى تعهد الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون بإنهاء حرب فيتنام إلى فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1968، عين كيسنجر في البيت الأبيض مستشاراً للأمن القومي.

قبل هذا المنصب، عمل كيسنجر خلال فترات عدة مستشاراً للوكالات الحكومية، بما في ذلك عام 1967 عندما عمل وسيطاً لوزارة الخارجية في فيتنام. واستخدم علاقاته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون، لنقل المعلومات بشأن مفاوضات السلام إلى معسكر الرئيس الآخر نيكسون.

ولكن مسعى إنهاء الحرب كان مكلفاً جداً للولايات المتحدة، إذ تخللها قصف أميركي ضخم لفيتنام الشمالية، وتلغيم موانئ الشمال، وقصف كمبوديا.

وأعلن كيسنجر عام 1972 أن “السلام في متناول اليد” في فيتنام، لكن اتفاقيات باريس للسلام التي تم التوصل إليها في يناير 1973، لم تكن سوى مقدمة لاستيلاء الشيوعيين النهائي على الجنوب بعد عامين.

وفي الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، تعرض نيكسون وكيسنجر لانتقادات شديدة؛ بسبب ميلهما نحو باكستان. وسُمع كيسنجر وهو يصف الهنود بـ”الأوغاد”، وهو تعبير قال لاحقاً إنه “يندم عليه”.

وفي عام 1973، بالإضافة إلى دوره كمستشار للأمن القومي، تم تعيين كيسنجر وزيراً للخارجية، ما منحه سلطة لا نزاع فيها في الشؤون الخارجية.

 

** دبلوماسية كيسنجر “عالية الضغط”

دفع الصراع العربي الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي، كيسنجر إلى القيام بأول مهمة “مكوكية”، وهي نوع من الدبلوماسية عالية الضغط التي اشتهر بها.

وأجرى كيسنجر 32 رحلة بين القدس ودمشق، من أجل صياغة اتفاقية “فك الاشتباك” في عام 1974 بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

وفي محاولة لتقليص النفوذ السوفيتي، تواصل كيسنجر مع الصين، المنافس الشيوعي للسوفيت، وأجرى رحلتين إلى بكين، بما في ذلك رحلة سرية للقاء رئيس الوزراء آنذاك تشو إن لاي. وكانت النتيجة قمة نيكسون التاريخية في بكين مع الرئيس الصيني السابق ماو تسي تونج في 1973، والتي أعادت العلاقات بين البلدين.

وفي العام نفسه، حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع لو دوك ثو من فيتنام الشمالية (الذي رفض الجائزة).

وكانت الجائزة واحدة من أكثر الجوائز جدلاً على الإطلاق، إذ استقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل بسبب الاختيار، وطُرحت تساؤلات بشأن القصف السري الأميركي في كمبوديا.

وبعد عام واحد، انتهى عهد كيسنجر كمهندس رئيسي للسياسة الخارجية الأميركية باستقالة نيكسون عام 1974 وسط فضيحة “ووترجيت”، ومع ذلك، استمر في كونه قوة دبلوماسية في عهد خليفة نيكسون، جيرالد فورد.

ولم تؤثر فضيحة “ووترجيت”، التي أطاحت بنيكسون من رئاسة الولايات المتحدة، على كيسنجر، الذي لم يكن على صلة بالتستر، واستمر في منصبه وزيراً للخارجية عندما تولى فورد منصبه في صيف 1974. لكن فورد عينه لاحقاً مستشاراً للأمن القومي.

وفي وقت لاحق من العام نفسه، سافر كيسنجر مع فورد إلى فلاديفوستوك في الاتحاد السوفييتي، حيث التقى الزعيم السوفييتي السابق ليونيد بريجنيف، واتفقا على إطار عمل أساسي لاتفاق الأسلحة الاستراتيجية.

وتوجت جهود كيسنجر بتخفيف التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

لكن مهارات كيسنجر الدبلوماسية كان لها حدود، ففي عام 1975، واجه انتقادات شديدة لفشله في إقناع إسرائيل ومصر بالموافقة على المرحلة الثانية من فك الاشتباك في سيناء.

وعندما خسر فورد أمام جيمي كارتر في الانتخابات عام 1976، بدأت أيام كيسنجر تنتهي، فيما نأى الجمهوري التالي في البيت الأبيض، رونالد ريجان، بنفسه عن كيسنجر، الذي اعتبره خارجاً عن دائرة ناخبيه المحافظة.

 

** وزير خارجية “سوبر”

وصف الرئيس الأميركي السابق فورد، كيسنجر بأنه وزير خارجية “سوبر”، لكنه أشار أيضاً إلى شخصيته التي تتميز بالتوتر وأيضاً الثقة بالنفس، فيما وصف كيسنجر نفسه في حديث لأحد الصحافيين بأنه يرى نفسه “أحد أبطال الكوبوي” (رعاة البقر).

وقال فورد في مقابلة قبل وقت قصير من وفاته عام 2006: “هنري يعتقد أنه لم يرتكب أي خطأ في مسيرته”.

وكان كيسنجر نشطاً دبلوماسياً طوال حياته، حتى بعد تقاعده، إذ كان يشارك في اجتماعات في البيت الأبيض وينشر الكتب، وبعد تركه الحكومة، أنشأ شركة استشارية في نيويورك، قدمت المشورة لنخبة الشركات في العالم. وعمل في مجالس إدارة الشركات، وفي العديد من منتديات السياسة الخارجية والأمن، وأصدر عدة كتب، وأصبح معلقاً بارزاً في الشؤون الدولية.

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، اختاره الرئيس السابق جورج بوش لرئاسة لجنة التحقيق في الأحداث. لكن غضب الديمقراطيين الذين رأوا تضارباً في المصالح مع العديد من عملاء شركته الاستشارية، أجبر كيسنجر على التنحي من المنصب.

وعلى الرغم من إعجاب العديد بتألق كيسنجر، إلا أن هناك آراء أخرى تصفه بـ”مجرم حرب”، متهمينه بـ”دعم الديكتاتوريات المعادية للشيوعية”، خصوصاً في أميركا اللاتينية.

وفي السنوات الأخيرة من حياته، تقيّدت رحلات كيسنجر بسبب محاولات دول أخرى لاعتقاله أو استجوابه بشأن سياسات الخارجية الأميركية السابقة.

ولد كيسنجر، واسمه الكامل هاينز ألفريد كيسنجر، من عائلة يهودية في فورث بألمانيا في 27 مايو 1923، وانتقل إلى الولايات المتحدة مع عائلته عام 1938، وبتغيير اسمه إلى هنري، أصبح مواطناً أمريكياً عام 1943، وخدم في الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ودرس في جامعة هارفارد بعد حصوله على منحة دراسية، وحصل على درجة الماجستير عام 1952 والدكتوراه عام 1954.

قد يعجبك ايضا