باسم أبو سمية بعد هذا المشوار المهني الطويل أصبحت كلماته تميّزان بين الرث والسمين
الشعب نيوز:-
بقلم /د. لطيفة محمد حسيب القاضي
ها أنا أكتب قصته بعد أن خرجت من ذاكرته ٠٠٠ سأذهب معه إلى حوار كأنه الحياة الأبدية ٠٠٠ حيث لا زمن ولا إنتظار٠٠فلذلك أرقتُ الحبر على القرطاس ؛ وأمرتُ الكلمات أن تكون فكانت باسم أبوسمية٠٠ الإعلامي الفلسطيني المخضرم الذي تشكلت تجربته في الآفاق البعيدة ؛ اسمع صوته الإعلامي تكسُّر الجليد من ذوبانه ٠٠
ومن منفى إلى منفى ننتقل معه ؛ وما الحياة إلا مرحلة من مراحل وجودنا العظيم !
ينفتح الحوار على شخصيته ؛ عمل محررًا ومراسلاً ؛ ومقدماً نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون ومحللا سياسيا في العديد من القنوات التلفزيونية ،و قناة الغد.
لست في صدد وضع هذا ” الحوار ” ضمن تصنيف أو تجنيس ٠ سأقول إنه كتاب مفتوح على سرد سيرته ٠٠ “أنا صحفي فلسطيني عملت في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي العربي والدولي والفلسطيني لمدة ٢٥ عاما محررًا ومذيعاً ومقدم برامج اذاعية وتلفزيونية” ٠
تجاربه غير مكرّرة وتستند إلى ثقافة وتجربة بكر ؛ وهذا يكفي لمواصلة سرده ؛ ومن المجلات التي عمل فيها ؛ “مجلة الأسبوع العربي” اللبنانية في باريس ؛ و”إذاعة مونت كارلو” الفرنسية في باريس ؛ و”التلفزيون ART راديو و:تلفزيون العرب” و”قناة “ABC الامريكية” و”جريدة الشعب المقدسية” ؛ والكثير الكثير من المؤسسات الإعلامية.
٠٠ كنت سعيدة بما يكفي لأبقى سابحة في الفضاء ؛ لكن الرغبة المُلحة في إستكمال الحوار مع باسم أبو سمية ٠٠ وسبر أغوار أفكاره المخبأة في عقله منذ منفاه الأول ٠٠ وخروجه من فلسطين ٠٠ في العودة كانت ،ومازلت كشمس ارتفعت من لجوئه ٠٠ فكان أول مدير لإذاعة فلسطين ؛ ومؤرخ وكاتب في المكتب الفلسطيني ؛ ومجلة العودة في القدس . “وبعد عودتنا إلى فلسطين وقيام السلطة الوطنية ؛ تسلمت رئاسة هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية ٠٠٠ وبقيت محافظا على مهنتي وكتابة مقالات سياسية ؛ ومقدم برنامج إذاعي أسبوعي في صوت فلسطين ٠٠٠ وبعد التقاعد انتقلت إلى الولايات المتحدة عام ٢٠٠٧ ،عملت محلل سياسي أتعاون مع قنوات عدة في الأساس قناة الغد ؛ وطبعا كانت ومازالت فلسطين حاضرة في حياتي التي لم تغادرها ؛ فعملت مقدما لبرنامج أسبوعي بالعربية في إذاعة صوت الجالية في واشنطن لمدة عامين “٠٠
ذهبت معه إلى دروبه حيث العمل والأحلام التي يسعى إلى تحقيقها فأسس مع المناضل صلاح التعمري في واشنطن اذاعة سماها صوت فلسطين من واشنطن إبان الانتفاضة سنة ١٩٨٨ .. “حينما كنت اعمل في مكتب القدس للصحافة في واشنطن للزميلة ريموندا الطويل ؛ ومن المفارقات الجميلة التي لا يمكن نسيانها إن الإذاعة تعمل على جهاز الهاتف ؛ إنها المعجزة الفلسطينية التي تتولد من المستحيل التي تحوله إلى واقع ؛ إذ كنا نصدر نشرة يومية باللغة الإنجليزية عن انتفاضة شعبنا العظيم ؛ ونوزعها على أعضاء الكونغرس الأمريكي ورجال الإعلام والسياسة ؛ ومؤسسات صناعة القرار في واشنطن ؛ وكان لهذا المكتب دورا مميزا ومكمل في الوقت ذاته لدور المكتب الفلسطيني بالقدس باعتباره أحد فروع هذا المكتب على مستوى العالم ٠٠ الذي كان له مكاتب في باريس ؛ واثينا وطبعا واشنطن ٠٠”
مازال باسم أبو سمية يدوّن ذاكرة الوطن الفلسطيني ٠٠ “كنت اذهب مع زميلي الأمريكي تيم كل يوم قبل الظهر إلى مبنى الكونغرس ونضع نشرتنا على طاولات الأعضاء ؛ وبعدها اذهب انا وصديقي الأمريكي ؛ إلى تناول وجبة الغذاء بعد الجهد ؛ كانت المطاعم التي ترتاد عليها من الدرجة الثالثة ٠٠٠ كنا نقبل على الحياة ؛ هكذا نحن الفلسطينيون نعيش مع رصاص الغدر الذي يقتل أطفالنا ونساءنا من قبل عدّو إسرائيلي لا يتعامل معنا إلا بمختبرات لأحدث أسلحته ؛ ورغم كل هذه القسوة ؛ نصرّ على الحياة ؛ فكنا نذهب إلى ممارسة إنسانيتنا ونستمع إلى عزف الجاز في الحي الشرقي المجاور لمبنى الكونغرس ٠٠ وبقينا على هذا الحال حتى عودتي إلى ارض الوطن فلسطين الذي لا اعرف وطن غيره “٠٠
حاولت الهروب من عالم كلماته إلى غاباتِ كلمات الحوار التي فرضت نفسها عليّ ؛ فكلمني عن بداياته ؛ فذكر: ” أن هناك يوم لا يمكن نسيانه ؛ يوم معركة السموع التي وقعت في الخليل عام ١٩٦٦ ؛ وقتها طلب مني رئيس الجريدة آنذاك مرافقة الوفد الصحفي الذي يغطي تغطية الحدث ٠٠ فكانت هذه بداية المشوار في العمل الصحفي ؛ ومن المصادفات التي أثرت في عملي الصحفي أن المعلومات التي حصلت عليها لم يحصل عليها الوفد الصحفي الذي من المفترض الحصول عليها ٠٠ وكانت هذه انطلاقتي الحقيقية ٠٠
وقتها كان عمري لا يتجاوز ١٧ عاما ٠٠ وقتها حصلت على معاملة خاصة من رئيس التحرير المصري وطلب من صاحب الجريدة نقلي من المطبعة الى صالة التحرير ؛ وكان رئيس التحرير الصحفي الكبير صلاح عبد الصمد ”
وأكملت مشواري الصحفي “.
باسم أبوسمية رتبت الأقدار آماله ومنحته فرص النجاح ٠٠ وكتبت كلماته على جدران تاريخ الصحافة العالمية ٠٠ فعمل لمدة أربع سنوات في إذاعة الشرق اللبنانية في باريس ؛ وكان بثها محدود لا يصل إلا لبعض المناطق في أوروبا ؛ وبعد ذلك عرضت إذاعة مونتي كارلو العمل معها مراسلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ؛ “وقتها حصل خلاف بين الإذاعة التي كنت اعمل فيها وإذاعة مونتي كارلو فاخترت مونتي كارلو الأكثر مهنية “وهكذا كان ٠٠ “ولا انسى وقوف الأعلامية الشهيرة ريموندا الطويل ؛ الذي كان اليد الطولى في منافسة الصحف ” الإسرائيلية ” يديعوت أحرونوت وهارتس ٠٠ وقتها كنت ازود كل السفارات الغربية بالأخبار والتقارير اليومية عن الأحداث التي تجري في فلسطين “٠٠
تحرّر قليلا باسم أبو سمية من ثقل الذكريات ؛ وكأنه يهمس في نفسه ؛ الذكريات لا تغيب عني ؛ فعاد وواصل ٠٠٠ ” و من صوتي الإذاعي عبر الأثير كنت سفير فلسطين أنقل أخبارها دون توقف ٠٠ أرسل روحي عبر تقارير واخبار ٠٠ كان الأثير رفيق رحلتي من المحيط إلى الخليج العربي لكل بقاع العالم العربي ؛ وقتها لم تكن هناك فضائيات ولا إذاعات معروفة سوى بي بي سي ؛ واذاعة مونت كارلو التي يستمع لها عشرات الملايين من البشر ؛ وفي هذه الرحلة الشاقة تعرفت على شخصيات كثيرة ؛ فكان لقائي الأول عام ١٩٧٢ مع ريموندا الطويل في بيروت ، وايضا الشاعر الكبير محمود درويش “.
وانطلق يروي ذكرياته عن بيروت و يقول :”لبيروت لها قصة معي ؛ فقد غادرت الضفة الغربية للدراسة الجامعية ؛ تخصصت أدب لغة عربية ؛ وأثناء تواجدي في بيروت كنت مراسلا لجريدة الشعب المقدسية ؛ وبعد الانتهاء من الدراسة عام ١٩٧٩ ؛ عدت للعمل في المكتب الفلسطيني الذي بدأ العمل ؛ وكان بمثابة مقر غير رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية وايضا وكالة الأنباء الفلسطينية شبه الرسمية ؛ عملت بجانب نخبة مرموقة من الصحفيين الاكفاء”
٠٠ وأكثر ما آلمني توقف المكتب الفلسطيني” عن العمل؛ وانتقلت للعمل في إذاعة صوت فلسطين ؛ كان اليوم الذي تلقيت فيه نبأ توقف المكتب والمجلة التي هي ايضا توقفت كان يوما قاتما وحزينا يوم دفنت فيه اول مؤسسة إعلامية مقدسية لقد امضيت مع زملائي المقاتلين في تلك المؤسسة الوطنية اجمل واعظم ايام حياتي ؛ أنها تجربة اعلامية ممتعة كما انها حقيقية وفريدة ومتميزة لن تنسى” ٠٠٠ !
أضاءت الأحلام شموعها ؛ هكذا تصور باسم أبو سمية ؛ ولكن لم تُضئ له شمعة واحدة وهو يعاقر الغربة وحيدًا في المنافي ؛عاد للوطن حاملاً احلامه على اكتافه المثقلة بأوجاع اللجوء ؛ ولأن حلمه يحمل اسم وطنه فلسطين ؛ ولمدة عامين يعمل ليلا نهارا لعمل إذاعة تليق بفلسطين شكلاً ومضموناً ؛ غير انّ للحياة تصاريفها واقدارها وقوانينها ؛ كانت الإذاعة الفلسطينية التي تشكلت عام ١٩٩٤ ليست بمستوى حلمه ؛ ولا امنياته؛ عمل فيها ؛ وكانت في بداية الأمر تبث من أريحا ؛ “صحيح كان انطلاق الأثير من الأراضي الفلسطينية وهي تحت السيادة الفلسطينية حدثاً تاريخيا إلا انها لم تكن في مستوى طموحاتي ٠٠ ومن المفارقات الصادمة واثناء عملي جاءني شخص من احد مدن الضفة الغربية يطلب عملا وهو أسير محرر ووافقت على طلبه ؛ وطلبت منه الحضور في اليوم الثاني لقراءة نشرة الأخبار ؛ وصدمت في اليوم الثاني أنه لم يقرأ النشرة الإخبارية ؛ وعندما استفسرت لماذا لم تقرأ النشرة الإخبارية ؟ كان الجواب ان صوته لا يصلح وغير إذاعي ؛فأحضر شخص ثاني يقرأ عنه النشرة و قال هو الذي يصلح ؛ وحقيقة الأمر أن الشخص الثاني صوته نشاز ولا يصلح وإلى اليوم يقرأ نشرات الأخبار ٠٠٠ ومع ذلك كان يعمل مراسل وطبعا مناضل ويقبض راتب ٠٠ واصبح لدينا شخصان أحدهما مراسل مناضل لا يعمل يقبض الاجر والثاني مراسل لا يصلح ويعمل بلا اجر”.
باسم أبو سمية بعد هذا المشوار المهني الطويل ؛ أصبحت كلماته تميّزان بين الرث والسمين ؛ وعقله يستوعب تصاريف الزمن لذا يقول للأجيال القادمة من الإعلاميين من ابناء وطنه :”عليكم التزود بالثقافة العالمية والانكباب على المعرفة والإخلاص بالعمل “٠٠٠
وفي نهاية حواري الصحفي أجاد باسم أبو سمية في رسم لوحة ختامية: …
ارى لزاما علي ان اتوجه بالشكر” والتقدير للدكتورة اللطيفة لطيفة محمد حسيب القاضي كريمة الشاعر ومؤلف معظم اغاني الثورة الفلسطينية …الملهم المرحوم حسيب القاضي وهو الغني عن التعريف وكذلك الحال بالنسبة لكريمته الكاتبة والباحثة ،والصحافية المبدعة التي التقيت بها قبل أيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي ..
اشكرها ليس لكونها اجرت معي لقاءا صحافيا ولكن ما يمكن أن يقال عن حياكتها للحديث كمن يطرز ثوبا فلاحيا تراثيا فيه الكثير من الصور الجمالية.
ربما لان لطيفة عاشت في كنف المبدع حسيب القاضي وتأثرت بفكره وفنه لذلك جاءت حياكتها في منتهى الاناقةً والرقة ، ولكنها اعتمدت على وعيها وحسها الفلسطيني الإبداعي في ترجمة ما قلته بكلمات متواضعة بسيطة وتحويلها إلى نص بديع ..
هذه السيدة الفلسطينية المبجلة الاصيلة التي تعيش في اليمن و هي صديقة صديقتي الأبدية السيدة ريموندا حوا الطويل حيث أنها طلبت مني أن أساعدها في البحث عن عمل يهيئ لها اكمال احتياجات حياتها مثل بقية البشر ، وكان تقديري أن المجال الذي عليه ان يفتح ذراعيه لها ألا وهو مجال الإعلام لكونها تمتلك كل ادواته ..
وقد ارسلت لبعض قنوات التلفزة طلبا نيابة عنها ، لكني لم اتلقى للان اي رد من اية جهة ..
الحقيقة اني اشعر بالقهر لعدم تمكنها من الحصول على وظيفةً حتى الآن رغم ما تتمتع به من احساس ابداعي وقدرة على امتلاك النص الجميل والمتميز .
لذلك فكرت في ان استفيد من هذه الوسيلة التواصلية لإيصال فكرتي في استمالة وسائل الإعلام الفلسطينية وأخص بالذكر هيئة الاذاعة والتلفزيون او اي من الصحف الفلسطينية واضعين في الاعتبار أن الحديث في هذا المقام عن كريمة الراحل حسيب القاضي أحد رموز الابداع في الثورة الفلسطينية ، لعل بعض هذه المؤسسات ان توفي بعض التقدير لهذه السيدة و لوالدها الراحل ..!؟”
وفي نهاية الحوار لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ باسم أبو سمية على الحوار الصحفي الذي من خلاله تعرفنا أكثر على شخصية ثقافية إعلامية مبدعة ، فهو أكبرمن الكلمات التي قيلت عنه،فهو متواضع على الرغم من أنه العمود الفقري لكل المؤسسات الإعلامية الفلسطينية ..هو يحمل من الطاقة الإيجابية و الحب و الأمل و التقدير لكل من يعمل ويتعامل معه على الرغم من الألم الذي يحمله في قلبه …لم اعرف ماذا اقول بعد الانتهاء من حواري مع باسم أبو سمية ، لكنّني عرفت ما يقرأ أبو سمية من أفكار أراد سردها ولكن سيكون من الممتع جدًا وضعها في حروف منطوقة ؛ فكان باسم ابوسمية .. .أعتبر هذا الحوار الصحفي تاريخي يؤرخ التاريخ.