“بنت الأجيال”سعيد ذياب سليم”

589
الشعب نيوز:-

قال الراوي يا سادة يا كرام أنه كان في قديم الزمان وغابر الأيام مدينة حاضرة البحر تقع على ساحل بحر الروم في الطرف الجنوبي من أرض كنعان، حيث يمر بها طريق البحر الذي يصل مصر ببلاد الهلال الخصيب، وينتهي بها طريق التوابل الذي كانت تسلكه القوافل القادمة من بلاد اليمن وجنوب الجزيرة العربية مارة بمكة والمدينة والبتراء تحمل الطيب والتوابل واللبان وغيرها من السلع الفاخرة والقادمة من الهند باتجاه أسواقها ومينائها، من مينائها تنطلق المراكب الشراعية وذات المجاديف مارة بجزر البحر متجهة إلى بلاد اليونان والرومان حاملة البضائع الشرقية الغريبة. تلك المدينة كان اسمها غزة وما زالت غزة المدينة الأسطورة تتكسر على شواطئها أعتى الموجات.
تعد من أقدم مدن التاريخ بنت الأجيال التي صمدت لنوائب الزمان وحوادث الأيام فما من غاز له صلة بالشرق إلا ومر بها، قاومته ونازلته فإما أن تكون صرعته أو صرعها. لهذا يقال أن معنى غزة هو العزة والمنعة والقوة ذكر ذلك عارف العارف في كتابه (تاريخ غزة) وذكر أيضا أن هناك من يقول أنها تعني الخزينة أو الثروة.
كانت تاريخيا على صلة وثيقة بالعرب فلا عجب أن سميت غزة هاشم، لأنه يوجد فيها قبر جدّ النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلمّ ( هاشم بن عبد مناف )، ويقال أن أول من ارتادها من العرب الأوائل المعينيين وبني سبأ قبل أن يتمكن منها الفلسطينيون، وقد وقعت خلال تاريخها القديم تحت سيطرة المصريين القدماء والهكسوس وحضارات ما بين النهرين والفرس واليونان والرومان.
نزل بها “الاسكندر الأكبر” فأحرقها، ومر بها عمرو بن العاص فاتحا وهو في طريقه إلى مصر، و مر بها “نابليون بونابرت” فأخضعها باعتبارها بوابة فلسطين والشام، كما مر بها الجنرال البريطاني “إدموند ألنبي” بعد أن هزم حاميتها العثمانية وهو في طريقه إلى القدس إبان الحرب العالمية الأولى، ليس هؤلاء فحسب فقد مر بها الكثير من الفاتحين والمغامرين والفرار.
في ثلاثينات القرن الماضي قام عالم الآثار البريطاني “فلاندرس بيتري” بالتنقيب في منطقة تل العجول موقع كنعاني في جنوب القطاع فوجد ثلاثة مجموعات من المجوهرات والمشغولات الذهبية تعود للعصر البرونزي، تقبع اليوم موزعة بين متحف لندن و متحف “روكفلر” في القدس الشرقية ومن بين ما وجده نفقا يبدأ من باب المدينة إلى الخلاء خارجها بطول 500 قدم مما يدفعنا لملاحظة أن الغزيين مولعين بالأنفاق منذ القدم.
قال الراوي -يا سادة يا كرام- أن شمشون الجبار دخل غزة وأحب دليلة واجتمع الفلسطينيون وأقنعوا دليلة لتعرف سر قوته ولما حلقت له شعره وفقد قوته اجتمعوا عليه وقلعوا له عينيه وأسروه زمنا حتى نبت شعره ولما اجتمع القوم في معبد الإله داجون للاحتفال بالتمكن من عدوهم شمشون دعا هذا ربه قائلا: بي وبأعدائي يا رب. وأسقط أعمدة المعبد فمات ومات من حوله، فغزة يكرهها بني إسرائيل منذ القدم خرجت على عصا الطاعة فناصبتهم وناصبوها العداء.
لم تنتهي بعد قصص الراوي ولا تنتهي غرابة ما مرت به غزة فما زالت صفائح التاريخ تذكر عنها الكثير.
واليوم ما الغريب في غزة ؟ حصارها الذي امتد عقدين من الزمان إلا قليلا؟ أنفاقها؟ باعتبارها مدينة الأنفاق والأسرار!
أم صمودها أمام عدوان الجيش الإسرائيلي الغاشم الذي امتد أكثر من مئة يوم رغم ما بها من فاقة؟
أم تعداد شهدائها الذي قارب خمسا وعشرين ألفا نصفهم من الأطفال والنساء ؟
الذين دفنوا تحت الأنقاض وفي ساحات المدارس والمستشفيات وكل بقع الأرض التي استطاع الوصول إليها ذوي الشهداء؟
ربما تكمن الغرابة في انتهاك وتدنيس مقابرها وما تواجهه من تجريف تقوم به جرافات الجيش الإسرائيلي الذي لم يكتفي بهدم منارات المساجد والكنائس وكأنه يخاصم كل ما يشير إلى الله!
أم سكانها الذين يتقاسمون بينهم علف دوابهم يصنعون منه خبزا لأطفالهم الناجين من القنص؟
يتحدث أبناؤها عبر منصات التواصل الاجتماعي يزفون لنا استشهاد عائلاتهم وهم ينتظرون دورهم الذي بات متوقعا في كل لحظة هل يعد هذا غريبا أم أن هذا هو نتيجة طبيعية لحركة التاريخ؟ الذي لا يخشى الصهاينة حركته وتغير أحواله، وابنة الأجيال واقفة بكل كبرياء تُشهد التاريخ وتُخبر بني صهيون أن كل من مر بها زال لكنها ما زالت تصد عنها كل عدوان فاكتب يا سيدي الراوي ما تراه وذخّر أقلامك ليوم يرتد فيه الباطل على نفسه مخذولا أمام طوفان الحق.
سعيد ذياب سليم”

قد يعجبك ايضا