الشعب نيوز:-
د. أحمد شحروري
غزة مدرسة كبرى فيها تدرس فنون الحياة، فيها مساق الصبر ومساق العزة، فيها رياضة الجسد ورياضة الروح، غزة درس الجغرافيا ودرس التاريخ، غزة تتكلم كل اللغات وتفهم منطق كل الألسنة، غزة درس فلسفة وكتاب منطق، غزة عربية بالفطرة ترفع الفاعل وتنصب للمفعول به مشنقة التاريخ، ليس لعدو غزة محل من الإعراب، منعت صهاينة العرب من الإعراب للعمالة وعجمة القلب، والجزم عند غزة سيد الإعراب .
غزة مدرسة فاتحة أبوابها ليلا نهارا، تدرّس في النهار فن مسالك الدنيا وتدرّب في الليل على معالم الطريق إلى الآخرة.
علمتني غزة:
– أن الحي هو الذي يدفع تكاليف الحياة، وأن من بخل بثمنها فهو الميت، وإن سلك دروب الحياة وجدها موصدة في وجهه، فكل دروبها تتطلب رسوما لا يملكها إلا من حرص على الموت لتوهب له الحياة.
– أن صديقي هو الذي يتعفف عن مسألتي في حال يسري، وأتحسس أنا حاجاته، ويقضي حاجتي من غير منّ إذا ضاقت ذات يدي.
– أن الإيمان يتميز عن النفاق في ساعة الشدة، فمن قبِل دخول معمعة الشدة ولم يضق بسبيلها فقد آمن، ومن نكص عن دربها فقد نافق وإن صلى وصام وزعم أنه من المسلمين.
– أن السكن ليس جدرانا وسقفا وأبوابا، إنما هو سكينة النفس ورقي الروح وإن عشت في خيمة أو في العراء.
– أن الرجولة شيء غير الذكورة، وأن الذكور كثير إن أحصيتهم، لكن للرجولة مقاسات لا يبلغها كل ذكر، فالرجولة مضاء في العزيمة، ثبات في المواقف، صدق في الجدّ وغَناء عن التلهي والهزل، الرجولة استقلال في الرأي وبعد عن التبعية، وحياة للقلب وموت لسيادة الشهوة، الرجولة أن تكون سيدا في قومك سيفا على رقبة عدوك، والرجل هو الذي لا تخيفه الأجهزة ولا تخدعه الألبسة، ليس في عنقه تبعية إلا لله، فهو سيد العباد وعبد سيده سبحانه، الرجولة ليست خشونة في الصوت ولا جلافة في القول، بل هي نغمة الأخوّة الحنونة ورقّة الدمعة المشحونة بالخوف والرجاء.
– علمتني غزة أن خطورة نزال العدو ليست في قوته بل في ضعفي، وليست في شدته بل في رخاوتي، وأن الحق لا يعطى بل ينتزع :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وأن الفرج يولد من رحم الشدة، وأن الظفر لا يهدى لمستلق على فراشه ولا لمستند على أريكته، وأن قرنا من الزمان أضاعنا فيه تخاذل الذكور يكفي لاستعادته صدق الرجال ولن يطول الزمن لعودته.
– علمتني غزة أن الكفاية والنجابة لا تقاس بالعمر، فأطفال غزة ذكورا وإناثا يسطرون اليوم في سِفر الحياة سطور نضجهم ووعيهم ونكايتهم بعدوهم ولم يبلغ أحدهم إلا نحوا من سن التمييز.
– كشفت غزة كل دعيّ، وعرّت كل قبيح مستور، وتمايز الخلق من كل الملل والأجناس : هذا عاقل وهذا مجنون، هذا بريء وهذا مدان، هذا إنسان وهذا شبهة إنسان، هذا مهتدٍ وهذا مفتون، ولو لم يثر طوفان الأقصى لبقيت قاذورات الأرض طميا مخمّرا أسفل الماء الطهور، حتى إذا ثار الطوفان فسيقذف بهذه القاذورات على أطراف الطريق ويبقي سبيل الماء الزلال نظيفا وتكون الأرض من غيرها خضراء مشرقة.
– كن تلميذ غزة فإنها مدرسة يسهل النجاح فيها لمن دفع رسومها صبرا في المحن وشكرا على المنح وعزة في النفس ويقينا في القلب وثباتا في الموقف وجرأة في المواجهة وحياء من الله وتوقيرا لشرعه واقتداء بنبيه، فإن كنت مستعدا فأنت تلميذها من الآن، فاهتف بشعارها الخالد :
الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.