حرب ترامب القذرة ..وائل قنديل

الشعب نيوز:-

“ليس المطلوب أميركيّاً وإسرائيليّاً رأس إيران أو نظامها الحاكم أو مرشدها الأعلى، فقط، بل هو العالم العربي كله الذي تريده تل أبيب محض حديقة مملوكة لها.”

ليست هزيمة إيران قدراً محتوماً كما تريد الآلة الدعائية للعدوان الأميركي الإسرائيلي أن تبثّ في نفوس شعوب الوطن العربي والشرق الأوسط كله، وكما يثرثر محللو الفضائيات الذين يخلطون الأمنيات بالقراءات، فيصيرون جزءاً من حملة التخويف والإرهاب التي يشنّها الرئيس الأميركي منذ ثلاثة أيام.

صحيحٌ أن الصراع تقوده قوى جبّارة في عالم يحتفي بالقذارة وينتصر لها، من دون خجل، على طريقة مستشار ألمانيا فريدريش ميرز الذي شكر إسرائيل على قذارتها، حين قال في حوار بالتلفزيون الألماني “إن إسرائيل تقوم حاليا بالعمل القذر في إيران نيابة عن الغرب بأسره”، لكن معادلات الواقع الراهن تختلف كثيراً عن معادلات الفترة التي اجتمع فيها أوغاد العالم المدين بالشكر للقذارة على تدمير العراق وإعادته عقوداً إلى الوراء، بعد أن أوشك على أن يكون قوة عسكرية نووية مكافئة لكيان المهام القذرة في الإقليم.

هذا أول اعترافٍ من حاكم دولة أوروبية كبرى بالقذارة عملاً مشروعاً وسلوكاً أصيلاً فيما خصّ نظرة الغرب المتحضّر المتقدم المستنير للشعوب الأصلية في الشرق الأوسط، وهي النظرة التي تشتمل إقرارًا ضمنيًا بالوظيفة القذرة المسندة إلى الاحتلال الصهيوني في فلسطين، باعتباره أداة ثبتها الاستعمار القديم في المناطق التي انسحب منها ليحقق من خلالها الهدف القديم.

المشكلة أن هذا الكيان هو محصلة خطايا أوغاد وقتلة العالم الموصوف بأنه”الأول”. ورغم ذلك، وبكل بجاحة، يتصوّر نفسه معياراً للأخلاق والقيم، ويتبجح أكثر ويريد إعادة تفصيل العالم على مقاسه، والأحقر منه عربٌ يتعاملون معه باعتباره واقعاً لا يمكن تغييره. الراعي الأول والشريك الكامل لهذا الكيان في كل إجرامه ليس إلا شخصٌ صفيقٌ يمارس البلطجة علناً، ويضع يده في جيوب أصحاب الثروة، مصوباً السلاح إلى رؤوسهم، ثم يتحدّث بوصفه القيّم على الأخلاق الإنسانية والقانون الدولي، ثم يتحوّل في لحظة إلى رباط حذاءٍ في قدم أصغر جندي صهيوني، أو في أفضل الأحوال ناطقاً عسكريّاً وسياسيّاً باسم الإجرام الإسرائيلي، متخلّياً عن لغة السياسيين، ليظهر في صورة القاتل المحترف، حين يطالب الشعب الإيراني بإخلاء فوري للعاصمة طهران مرّة، ثم يتباهى بأنه سوف يقتل الشخصية السياسية والروحية الأولى في إيران مرّة أخرى، إذ يقول”نعلم مكان المرشد الإيراني لكننا لم نقرّر بعد موعد اغتياله” .

تنتاب ترامب هذه الحالة من السعار كلما أوجعت الصواريخ الإيرانية الكيان الصهيوني، اللقيط. هنا يتخلى ترامب عن كونه رئيساً للولايات المتحدة، ويصبح محض رزّاز عنصرية ينبعث من فم بنيامين نتنياهو، ويتبنى خطاب الفاشية الصهيونية بشكل كامل، معترفاً بأنه هو، قبل إسرائيل، الذي يعتدي على إيران وينفذ اغتيالات وعمليات قصف وحشية فيها، ثم يطلب منها أن تأتيه صاغرةً مستسلمةً متنازلةً عن شرفها الوطني، لكي توقع بين يديه صك الانتحار .

يلفت النظر أن الأيام الثلاثة الأخيرة من الصراع أظهرت صموداً إيرانياً أربك حسابات الذين ظنّوا أن القدرة الإيرانية انتهت، وأن الباقي من هذه الدراما الدامية مشهد إسدال الستار على مشروع إقليمي مناوئ لكل مخطّطات واشنطن/ تل أبيب، فلمّا لم يتحقق ذلك، بدأ الرئيس الأميركي ينهض بدور مسؤول الدعاية السوداء والحرب النفسية، وخصوصاً في الأوقات التي تتعرّى فيها القبة الحديدية الأميركية التي تحمي سماء الكيان الصهيوني أمام الصواريخ الإيرانية. وهكذا صارت تمضي المعادلة: كلما ذهبت طهران إلى ردٍّ قوي على هجمات الاحتلال ذهب عقل ترامب ووقاره، فراح يطلق تهديداته بمحو إيران من خريطة المنطقة.

ليس المطلوب أميركيّاً وإسرائيليّاً رأس إيران أو نظامها الحاكم أو مرشدها الأعلى، فقط، بل هو العالم العربي كله الذي تريده تل أبيب محض حديقة مملوكة لها، تتمدّد وتتوسّع فيها كما تشاء، لتعيد بناء شرق أوسطها الجديد، وترسم حدوده وخرائطه بما يناسبها. ولعلك تذكر تصريح دونالد ترامب الشهير فور انتخابه إن “مساحة إسرائيل صغيرة جدّاً ويجب أن تتوسّع”. وها هي تتوسّع فعليّاً في فلسطين وفي سورية وفي لبنان، ولم يعد يعرقل توسّعاتها سوى إيران التي تريد أن تخصّب اليورانيوم، وتخصّب تربة الإقليم ببذور المقاومة والتحدّي لحلم الهيمنة الإسرائيلية.

تبحث عن وطن عربي في قلب هذا الجحيم فلا تجد، إذ تجلس الحكومات العربية في مقاعد المتفرّجين لا تحرّك ساكناً، إلا لكي تضغط به الأرقام السرية لخزائنها المتخمة كي تفتح وتغرف وتعطي الجزية للبلطجي الذي يدير الكوكب بقاذفات بي 52 وحاملات الطائرات والبوارج النووية، لتنسى، في غمضة عين، أن إيران الجارة الكبيرة التي يريد ترامب إزالتها كانت ولا تزال عضواً أساسيّاً في القمم العربية الإسلامية المشتركة التي تنعقد للنظر في التصدّي للاعتداءات الصهيونية.

قد يعجبك ايضا