شجرة الحياة..سعيد ذياب سليم
الشعب نيوز:-
ليست شجرة بعينها على كثرة الشجر الاتي سمين بذلك، وليست شجرة آدم التي أكل منها، ولا تقتصر على ديانة أو تراث إلا أن كثيرا من الديانات و المفكرين تحدثوا عنها و وصفوا بها حياتنا كما تنشأ النبتة من بذرة تنشق عنها الأرض بعد أن حملتها الريح بعيدا ثم ألقتها في حضن الأرض الدافئ، تخرج سويقا ثم جذعا يتشعب أفرعا فأغصانا ثم عروقا صغيرة تحمل أوراقا و براعم و نوارا.
تبتسم ابتسامة الولادة في الربيع وتميل بها نسمات الصيف راقصة بسعادة قبل أن يقف في ساحتها الخريف و تنفض عنها رياح الشتاء كساءها فتقف عارية تحت أمطاره.
تلك هي أطوار حياتنا نحن البشر إلا أننا أشجار نتحرك نحب و نكره و نختار و نحمل هم الدنيا و نصارع الأقدار في نزاع مستمر.
كما أنّا كالأشجار منا من يحمل وردا ومنا من يحمل ثمرا ومنا من يحمل شوكا و كثير من يحمل هما يشقى به ويصيب غيره بالعدوى.
على غصن من أغصان هذه الشجرة تلتف حياتنا وتبدو لنا أنها تسير في خطوط مستقيمة و تعتمد على السبب و النتيجة إلا أن هناك تفاصيل كثيرة قد لا تلقي لها بالا لكنها تعطي الحياة بريق ألوانها و نبض مشاعرنا، و ماذا عن بقية الأغصان؟ هي فرص كانت ممكنة إلا أننا اخترنا غيرها.
قال “موليير” وهو مؤلف كومدي مسرحي :الأشجار بطيئة النمو تحمل ثمارا ألذ ، لا بد أنه كان يفكر في الإنسان فلم يصل إلينا أنه اشتغل في الزراعة يوما ، فكيف نرى أنفسنا في قوله ؟
ربما هو النمو العاطفي للقلب و العقل معا، فالعاقل يرى و يتذوق جمال ما يرى و يفكر فيه و يعيشه ويتعلم منه وينمو به رويدا رويدا كما ينضج الثمر فهو يتعلم إذ يعيش وفي ذلك قال “مات هيغ”:” الطريقة الوحيدة للتعلم هي أن تعيش”.
كيف إذا يتسلل القلق و الأرق إلى النفس و تلعب بها تيارات اليأس؟
هل يفقد المرء هدف حياته أم يغريه الوهم بهوى مستحيل والنفس متطلبة وثابة! كيف تبهت الحياة فجأة و تفقد ألوانها؟ كيف يخطئ العقل ويقع في مصيدة؟
هل من السهل أن يهجر حياة إلى أخرى أو أن ينزلق إلى عالم مواز أو يقفز إلى كون آخر؟
هل سيجد بغيته؟ أم أن كل وجود يحمل حزمة من السمات تختلف درجاتها بين النجاح و الفشل ، بين السعادة والشقاء، بين الفرح والحزن ، بين الحب و الكراهية والذي يختلف هو الإنسان و تفهمه للأمور وتعايشه معها بالحب؟
سواء أكنت معلما في صحبة أطفال ، أم لاعب كرة يراقص قلوب جمهوره وهو يلاعب الكرة في أرض الخصم أم سائق حافلة أم شاعرا أم عالما فكل درب تحمل الحزمة نفسها من النسيج.
في روايته “مكتبة منتصف الليل” قدم لنا “مات هيغ” شخصيته الرئيسية “نورا سيد” وقد وجدت نفسها بين الحياة والموت في مكتبة عجيبة اكتسبت فيها القدرة أن تنزلق من حياة إلى أخرى في أكوان متوازية وفي أدوار حياتية متفاوتة في سماتها، وهي تبحث عن حياة مناسبة غير حياتها الأصلية التي قررت أن تتركها وقد عانت فيها كثيرا من الكآبة و القلق.
لم يفسر لنا كيف حدث لها ذلك لكن نظرية الأكوان المتعددة ” multiverse ” وجدت طريقها للفكر الغربي بعد صياغة نظرية الأوتار ” string theory ” التي تصف تركيب الكون و قد تطورت في سياق ميكانيكا الكم”Quantum mechanic ” ، هل استفاد من ذلك؟ لماذا إذا جعل بطلته تعمل موظفة في محل يحمل الاسم “نظرية الأوتار”؟
إلا أن النمط التقليدي في التحليل يرى أن المكتبة تحوي كتبا يمثل كلا منها عالما تستطيع دخوله و الانتقال منه إلى آخر هل هذا ما قصده الكاتب؟
بنى أحداث روايته على موسيقى نظرية الأوتار في سياق خيالي مزج بفيه ين الفلسفة و علم النفس و تنقلت بطلته بين حيوات كثيرة لتكتشف في النهاية أنها تملك ما تتمناه حياتها هي بما فيها من فرص وجمال بدأت تحس به و تتذوقه.
ربما طرحنا كثيرا من الأسئلة و القليل من الأجوبة إلا أن الحياة غنية في المنعطف التالي وفنجان قهوتك فيه غير لونه الأسود و طعم البن، فيه ابتسام وبقية من عطر ليلة الأمس فتعال نكتشف و نتذوق، “ليس ما تنظر إليه هو المهم ، إنه ما تراه “كما قال “هنزي ثورو”.
سعيد ذياب سليم