
تحليل فى السياسه الامريكيه ؛ د. حازم قشوع
الشعب نيوز:-
تقوم سياسة الرئيس دونالد ترامب الجدلية على تغيير نظام الضوابط والموازين من واقع سياسة تقوم على مرجعية حكم تبينها أصول العمل الدبلوماسي ومرجعية القانون الدولي والذي تتحكم فيه الولايات المتحدة عبر دول المركز بأحقية الفيتو، إلى منظور سلطة تحكم يريد عبرها الرئيس الأمريكي من فرض سطوة الولايات المتحدة على العالم أجمع وذلك من خلال فرض قيود جبائية عبر نماذج من الرسوم والجمارك وتهديدات بالعقوبات السياسية عبر المقاطعات الدبلوماسية والأممية.
وذلك عبر وسائل يتم عبرها التلويح باستخدام القوة العسكرية لكل من يعارض سياساته أو يخالفه بالرأي على اعتباره يشكل عنوان ” الحقيقة “، وهذا ما يجعله يجسد سياسة الإمبراطورية الأمريكية التي يريد ارساءها فى حكم العالم والتحكم بثرواته، من اجل ان تبقى امريكا البلد الأعظم فى العالم فلا صناعات تتفوق على الصناعات الامريكيه، ولا جيش يتفوق على اصولها العسكرية ولا علوم معرفية تتفوق على علوم الصناعات المعرفية الأمريكية.
ومن يحاول امتلاك صناعات معرفية تخص الذكاء الاصطناعي في أي حقل من الحقول المعرفية والتنموية يعرض بلدة للتهديد والعقوبات إلا إذا جاء بالصناعة هذه للحاضرة الأمريكية، وهذا ما جعل من طبيعة المشهد العام مأزوم والعلاقات الدبلوماسية مع أمريكا متوترة للدرجة التى ذهب فيها العالم أجمع للبحث عن قوام استدارة يقيه من سطوة أمريكا بحلتها الإرهابية التي أخذت تتحول مكانتها العالمية من مرجعية إعتدال واتزان دبلوماسي تقود تيار ديموقراطي عريض إلى خانة التحكم ومركز للسيطرة، وهى النتيجة التى جعلت أمريكا تفقد دورها العالمي ورسالتها القيمية فى ظل تبدل حضورها من منزلة الحماية ومرجع السلم الدولي الى خانة الوصية على خيرات الأرض والشرطي المتسلط على البشريه التى تستبيح ما يحلو لها وتضعه فى المكان التى تريد.
ولعل صوره الولايات المتحدة هذه في حال استمرارها ستجعل من العالم أجمع يعاديها، وسيكون أول من يخرج من حاضرتها دول المركز كما دول الاتحاد الأوروبي والكتلة الشرقية بقيادة الصين التي يعول عليها في مواجهة المارد الازرق من الناحية الاقتصادية والصناعات المعرفية، كما يعول عليها ايضا بوقف حالة الغلو الأمريكي في اجتياح العالم والتحكم باقتصاده من على سياسات تسعى لإعادة بناء نظام الضوابط والموازين الدولي الذي قد تدخل فيه أوروبا شريك للصين حيث ستكون المصالح مشتركة، كما تكون فيه روسيا مع أمريكا عبر التحالف القطبي الذى يقوم على اقتسام المتجمد الشمالي.
ولعل هذه الخارطة التى يقوم على ترسيمها دونالد ترامب ستدخل العالم في تجاذبات عميقة سيكون فيها عمق الدولة الأمريكي ودول المركز والصين في مواجهة دونالد ترامب وبعض قيادات من الحزب الجمهوري بعد انتفاضة 1200 مدينة امريكية ضد سياسة البيت الابيض الذى لم يمضى على انتخابه أكثر من 100 يوم، وهي الانتفاضة الأمريكية التي يقودها عمق الدولة الأممي وليس فقط الحزب الديموقراطي المؤيد من الناتو ودول المركز، وهذا ما يضع أمريكا على مفترق طرق بين مناصر لعمق الدولة ومناهض لها وبين مؤيد لسياسات تجسيد الإمبراطورية ومعارض لها.
ولعل عمق الدوله العالمي الذي بدا غير معارض وصول أمريكا لما تصبوا اليه من مكانه، إلا أنه لا يتفق مع سياسة ترامب الفجة التى راح يرسيها فى الحاضنه العالمية من دون دبلوماسية عمل تقوم على جرعات مرحلية تسمح للجميع بالتكيف معها ومع دوافعها، وهذا ما جعل من بيت القرار الأمريكي يخرج عن صمته ويعبر الشارع الامريكي عنه بعبارة كف يد الرئيس عن المكتب البيضاوي بتعبير ” hands off “.
ولم يكتف الرئيس الامريكي بسياساته الاستفزازية فى فرض عقوبات طالت الرسوم والجمارك والانسحاب من المؤسسات الدولية التي تستضيف مرجعيتها الولايات المتحدة، بل راح يقوم بتحديد نظام عقوبات جديد على من يخالفه الرأي في الداخل الأمريكي للدرجة التى راح فيها الرئيس السابق باراك أوباما ينتقد سياسات الرئيس ترامب بصوره علنيه وبطريقة خارجة عن العرف المألوف بين ساكني المكتب البيضاوي، وهو ما يدق جرس الإنذار مبكرا ومن المفترض أن يجعل من الرئيس ترامب يأخذ خطوة للوراء لكي يرى المشهد بصورة أفضل.
فان راعي المكتب البيضاوي لا يقود أمريكا فحسب بل يقود العالم أجمع وعليه الاحتكام لحواضن العمل ومشروعية بيت القرار على الرغم من امتلاكه لرسن شرعية القرار في البيت الأبيض، ذلك لأن القرار كما يحتاج لمن يتخذه يحتاج ايضا ان تقبل به الحاضنة المستهدفة وإذا كانت سياسات الرئيس ترامب قد حققت شرط يقوم على الشرعية فإن مشروعية بيت قرارها الشعبي رفضت، وهو العنصر المتمم الذى يحمل عنصر الاستجابة، وهذا ما يجعل من السياسة التي يقودها زعيم البيت الأبيض تحتاج لبرنامج تنفيذي أدق من الذي تقف عليه على الصعيد الاقتصادي كما على المستوى السياسي.
تلك هي الخلاصة التي أجمع عليها غالبية أصحاب الرأي في الكابيتول كما معظم أعضاء الخزانة وبيت القرار الأمني والعسكري على حد وصف متابعين، وهي الخلاصة التي ستحمل للمكتب البيضاوي من خلال أعضائه لإعادة صياغة البرنامج التنفيذى للمنهجية القادمة ضمن براغماتية نهج وتقويم حتى لا يدخل الجميع في طور الإقصاء والمفاصلة التى مازال خيارها غير مطروح على طاولة الاحتمالات في عناوين الاستنتاجات التي جاءت مع التحليل السياسي في المشهد القائم !.