المخابرات والنبأ العظيم محمد حسن التل …

الشعب نيوز:-

 

ليست المرة الأولى التي يتعرض لها الأردن لمؤامرة تستهدف الأمن والاستقرار فيه ، وليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة أن تتمكن أجهزتنا الأمنية من الضرب على رأس أصحاب المشاريع السوداء وتأتي للأردنيين بالنبأ العظيم ، فبلادنا مستهدفة منذ عقود طويلة وعلى الدوام، لأنها تاريخيا مثلت السور المتين بوجه الإرهاب الذي يستهدف كل المنطقة ، وأرباب التخريب والإرهاب لا يملون من محاولة تسلق الأسوار لكنهم يسقطون أمام صلابتها ، وشكلت الأجهزة الأمنية الأردنية وفي مقدمتها المخابرات العامة رأس الحربة في المواجهة .

ما أعلن عنه قبل أيام من إحباط محاولة أشخاص محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين كانوا ينوون القيام بأعمال تضر بأمن البلد وتهدد الاستقرار فيه يمثل حلقة جديدة في مسلسل طويل من استهداف البلاد تحت عناوين وشعارات هدفها تمرير أجندات تجاه الأردن ومواقفه من قضايا الأمة على رأسها قضية فلسطين التي قدم الأردن على طريقها أكثر من الجميع الكثير ، حتى لم يعد أحد لديه القدرة على اللحاق به .

في سياق المرحلة الراهنة التي تعصف بها المنطقة، وتحت وطأة تجاذبات إقليمية وتحديات عابرة للحدود، يثبت الأردن مرة أخرى أن أمنه الوطني ليس قابلا للاختراق أو المساومة، وأن خلف هذا الثبات يقف جهاز أمني يتمتع بكفاءة عالية، وبُعد نظر استراتيجي، واحترافية في الاشتباك مع المخاطر قبل تبلورها . لقد قدّم رجال المخابرات العامة ، بكشفهم المخطط الإرهابي الأخير، صورة ناضجة عن الدولة التي تعرف كيف تصون ذاتها، وتحبط محاولات العبث بمصيرها.

ما تكشف من تفاصيل حول شبكة إرهابية كانت تسعى لتصنيع طائرات مسيّرة وصواريخ محلية الصنع لتنفيذ عمليات داخلية، ليس تفصيلًا معزولًا في مشهد أمني، بل مؤشرٌ على حجم التعقيد الذي تتعامل معه الدولة الأردنية، ومدى تعاظم المخاطر التي تتشابك فيها الأبعاد المحلية بالخارجية، والتنظيمات المتطرفة بأدوات الحروب غير التقليدية. ورغم ذلك، فقد تعاملت المخابرات الأردنية مع التهديد بصمت الواثق، وبدقة الجراح، لتجهض المخطط قبل أن يكون واقعا، وقبل أن يدخل الأردن في دائرة الفوضى.

ما يلفت في الأداء الاستخباراتي الأردني، أنه لا يركن إلى الإنفعال، ولا يستدرج إلى ردود الأفعال، بل ينطلق من قراءة معمقة للمشهد، ومن تراكم خبرات طويلة في تفكيك البُنى التنظيمية وملاحقة الخلايا النائمة، واحتواء التهديدات وهي ما تزال في طور الفكرة. ليست هذه مهمة أمنية تقليدية، بل فعل سياسي-أمني مركب، يتطلب حنكة في التقدير، وقدرة على اختراق البُنى السرية، وإلمامًا بسياقات التهديد من جذورها الفكرية إلى أدواتها اللوجستية.

من السذاجة النظر إلى أجهزة الأمن بوصفها أدوات ضبط فقط، فهي اليوم صانعة لاستقرار الدولة، وضامنة لنجاة مشروعها الوطني. والأردن، بتركيبته الحساسة وموقعه المحوري وخطوة الجيو السياسية المحيطة به، يحتاج إلى مثل هذه الأجهزة التي تدرك الخطر قبل أن يقرع الأبواب. وفي هذا السياق، فإن تضحيات رجال المخابرات ليست طقسًا بطوليًا يُحتفى به عند الضرورة، بل عمل يومي، صامت، عميق، يستحق التقدير والتمكين المستمر.

إن الدولة الأردنية، التي تتكئ على شرعية تاريخية وسياسية، وتعاني في الآن ذاته من ضغوط اقتصادية وتهديدات حدودية، تدرك أن الحفاظ على الأمن هو ما يمنحها القدرة على التنفس وسط هذا المناخ الإقليمي الخانق. وبالتالي، فإن كشف هذه الخلية الإرهابية ليس فقط نجاحًا أمنيًا، بل تأكيد على أن الدولة لا تزال تمسك بناصية قرارها، وتمنع أي محاولة لإعادة تشكيلها وفق إرادة الفوضى.

ما جرى هو تذكير عميق بضرورة الالتفاف حول مؤسسات الدولة، وبأن الحفاظ على هيبتها يتطلب دعم أدواتها، لا التنظير عليها من أبراج وهمية. فالمخابرات الأردنية، بما تملكه من كفاءة وعين مفتوحة على المتغيرات، ليست فقط حائط الصد، بل هي صمام أمان للحفاظ على حياة الأردنيين وأمنهم..

الأمن ليس منجزًا يُحتفى به في البيانات والخطابات بالمناسبات، بل هو بنية راسخة بنيت على العمل، والثقة، والمعلومة الدقيقة، وفي هذا المضمار، تواصل المخابرات العامة الأردنية أداءها كواحدة من أكثر المؤسسات تماسكًا وانضباطًا، وبوصلة لا تخطئ في حماية المجال الوطني من كل من تسوّل له نفسه العبث بثوابته.

إذا كانت الشعوب تقاس بصلابة مؤسساتها في لحظات الاختبار، فإن الأردن، بهذا الأداء الأمني الرصين، يؤكد أن أمنه ليس صدفة، ولا نتاج ارتجال، بل نتيجة تراكم بناء دولة تعرف كيف تدير الخطر، وتؤمن بأن السيادة تُصان بالفعل لا بالخطاب. إن الأجهزة الأمنية، وفي طليعتها المخابرات العامة، ليست مجرد ذراع للدولة، بل إحدى ركائز بنيانها العميق، ومصدر من مصادر شرعيتها المستمرة في زمن تتآكل فيه الجغرافيا وتُصادر فيه الإرادة الوطنية في أكثر من مكان، يظل الأردن، بفضل الله عزوجل ثم رجاله، استثناءً عربيًا صامدًا، يحرس استقراره بكلفة عالية، ويخطّ لنفسه دربًا وطنيًا لا يشبه سواه….

قد يعجبك ايضا