
الحزب الشيوعي في الأردن ضرورة أم ترف فكري “١”
الشعب نيوز:-
سليم النجّار
ظهرت في القرن التاسع عشر مقولات من قبيل (الدّين أفيون الشعوب) لكارل ماركس ومقولة (هل مات الإله) و(أنّ الإله مات وسيظلّ ميتا ونحن الذي قتلناه) لنيتشه صاحب المقولات الإلحادية بالنسبة للثقافة العربية، إلى جانب مقولات أخرى ذات نزعات تشكيكية تصبّ كلّها في باب إثارة التفكير باتّجاه التشكيك في ثقافة العرب القائمة على الإسلام. ومن المفارقات أنّ هذا التشكيك لم يكن من أولويات المجتمعات العربية، التي كانت تعاني من انهيار الإمبراطورية وتداعياتها على العالم العربي، ودخول الاستعمار الغربي بكل أشكاله، من إيطاليين، وفرنسيين، وإنجليز.
وكانت الشعارات الاستعمارية التي دخلت بها إلى العرب، أنّ العقائد والغيبيات المفردات التي وظّفتها القوى الاستعمارية الغربية، هي التي تثير التساؤلات وتوقظ الاستفسارات من منطلق “أنّ كلّا من العلم والعقل” يشبعان في الإنسان احتياجاته المادية والجسدية والعقلية.
سعت هذه المفاهيم إلى إعادة إنتاج كلّ ما هو مقدس ودنيوي على الشاكلة التي قام بها نقاد العقائد والغيبات حسب تعبيرهم.
وعلى الرغم من أنّ منهجيات العلم قد تطورت من كونها براجماتية عقلانية إلى تجريبية إمبريقية متجاوزة الأطر الكلاسيكية إلى أخرى حداثية، إلّا أنّ أصحاب موت “الإله” ظلّت تراوح بين حدود التفسير والتأويل اللذين يظلّان محدَّدين بمحظورات تعيق العقل وتمنعه من حرية التفكير خارج الصندوق والتوغّل في ثقافة التلقين في التنظير والافتراض. بهذا المعنى ليس الفكر ضربًا من الخبط العشواء، ولا استلالّا معجميا تنتزع منه الكلمات انتزاعًا من مظانِّها دون كدّ وتعب دلاليين. حيث أعقد الأمور وأثقلها أنْ يلعب الفكر بإعادة الفكر إلى ثوب جديد، لتفصيله تفصيلًا على مجتمع قد لا يحتاحه، أو لا يستوعبه، أو الظروف الموضوعية والتاريخية لا تحتمل هذا الفكر. خاصّة أنّ هذا الفكر ينزل ببرشوت على أرض غير خصبة لهذا الفكر. وأقصد الفكر الماركسي الذي هبط على مجتمع مثل المجتمع الأردني هبوطًا اضطراريًا، وكأنّ هذا المجتمع كان بحاجة لهذا الهبوط.
ومن بين تلك السّمات السياسية التي استعملها الحزب الشيوعي الأردني تلك التعابير -أو التبريرات- لموقف اجتماعي محدَّد، كالحفاظ على حقوق الفلاحين والعمال، في ظلِّ غياب تعريف علمي، لتحديد الطبقات أو الفئات، وكان هناك خلط واضح في المصطلحات، وعدم دقة في التوصيف للمجتمع.
صحيح أنّ انطلاقة الحزب في عصر الأيديولوجيات، التي غزت عالمنا العربي، والأردن ليس استثناءً.
وغاب عن الحزب أنّ الإنسان الأردني في تحرّكه بحاجة ليحقِّق هدفه، فإنّه يضع نصب عينه مثلاً أعلى يحاول محاكاته.
وكلّما كان “المثال” أقرب، كانت إمكانيّة تحقيقه أكثر واقعية وأوفر حظًّا. وبالتأكيد لا ستالين ولا ماركس يمكن يكونا القدوة لبيئتنا الأردنية، ليس من باب الانتقاص من قيمتهم الفكرية. بل بنيتنا الاجتماعية التي كانت في طور التكوين في الخمسينات من القرن الماضي لا تحتمل كلّ هذا الضجيج “الفكري”.
إنّه فكر حاول تشخيص مرضه، ليضع الدّواء لنفسه، نحن في أمس الحاجة لأن نعي تجربتنا الحياتية بعيدًا عن نقل التجارب الماركسية التي حدثت في بلدان مختلفة عنّا في كلّ شيء، ابتداء من التكوين التاريخي الاجتماعي لمجتمعنا، والسياسي، والثقافي.
ولم يبذل الحزب جهدًا للعثور على طرائق الحلّ لمشكلاتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تناسب واقعنا.
../.. يتبع