
العنف الجامعي مسؤولية وطنية لا يجوز السكوت عنها أ. د. اخليف الطراونة
الشعب نيوز:-
تُفجعنا بين حين وآخر مشاهد العنف الجامعي التي تسيء إلى صورتنا الأكاديمية والاجتماعية، وتشوه رسالة التعليم العالي، وتحرف بوصلة الجامعة عن دورها الحقيقي بوصفها منارة للعلم والقيم. فأن يتحول الحرم الجامعي إلى ساحة اشتباك، فذلك ليس سوى مؤشر خطر على خلل في منظومة الانضباط والمساءلة، وعلى غياب الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية لدى بعض الطلبة.
أولاً: من أمِن العقاب أساء الأدب
لقد أثبتت التجارب أن التهاون مع السلوكيات العنيفة لا يُنتج إلا مزيدًا من الفوضى. فالطالب الذي يُدرك أن أقصى ما سيناله هو تنبيه أو فصل مؤقت، سيكرر فعله دون تردد.
من هنا، لا بد من إعادة النظر في منظومة العقوبات الجامعية، بحيث تكون رادعة وواضحة ومعلنة، وتشمل:
• الفصل النهائي من الجامعة لكل من يشارك في المشاجرات أو يحمل سلاحًا أو يعتدي لفظيًا أو جسديًا داخل الحرم الجامعي.
• إلزام الطلبة المفصولين بدفع فرق الرسوم بسعر ساعة الموازي إذا كانوا قد قبلوا ضمن قوائم الاستثناءات أو القبول غير التنافسي، حتى لا يتحول الاستثناء إلى أداة لإضعاف الانضباط الجامعي.
• حرمانهم من الالتحاق بأي جامعة أردنية أخرى لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، لضمان أن العقوبة تحقق أثرها التربوي والمجتمعي.
ثانياً: العشائر الأردنية براءة من هذه السلوكيات الهمجية
العشائر الأردنية، بتاريخها المشرف وقيمها الأصيلة في الشهامة والنخوة والكرم، براء من كل مظهر عنيف أو سلوك فوضوي.
فهذه التصرفات لا تمت إلى قيم العشيرة بصلة، بل تُسيء إليها وتشوّه إرثها الأخلاقي والاجتماعي.
إنّ أبناء العشائر الحقيقيين هم من يحملون راية العلم، لا العراك، ومن يفاخرون بالخلق والانضباط، لا بالصوت العالي أو العصبية المقيتة.
ثالثاً: السلوكيات الطلابية الطائشة
إنّ من أشد ما يؤسف له أن يتحول الحماس الشبابي إلى تصرفات طائشة تفتقر إلى الوعي والاتزان. فقلة الانضباط، وضعف الوازع الأخلاقي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في التحشيد والتحريض، جميعها عوامل تُغذي هذا السلوك السلبي.
الجامعة ليست مكانًا لتصفية الحسابات أو لإثبات الذات بالقوة، بل هي ميدان لبناء الشخصية الواعية القادرة على الحوار والتفكير والنقد المسؤول.
رابعاً: عوامل الخطورة في البيئة الجامعية
1. غياب الردع الجاد والعقوبات الواضحة بحق من يخرق الأنظمة الجامعية.
2. ضعف الإشراف الميداني في ساحات الجامعة، وترك التجمعات الطلابية دون رقابة كافية.
3. القبول غير التنافسي الذي يضعف جودة المخرجات الأكاديمية ويزيد من فجوة الوعي والانضباط.
4. الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تُفجر طاقات الغضب.
5. نقص برامج التوعية في قيم الانتماء، وضبط الذات، وإدارة الخلاف بالحوار.
خامساً: دور السلطة التشريعية في دعم الانضباط الجامعي
لا يمكن ترك الجامعات تواجه وحدها ظاهرة العنف؛ فالمسؤولية وطنية مشتركة. ومن الضروري أن تتدخل السلطة التشريعية لتضع أُسسًا قانونية رادعة، من أبرزها:
• تجريم كل من يتوسط أو يتدخل لصالح الطلبة المشاركين في المشاجرات الجامعية، لأن مثل هذا التدخل يُضعف هيبة القانون ويشجع على التمرد.
• تشريع بنود خاصة ضمن قانون التعليم العالي تتيح فرض عقوبات مالية وإدارية على كل من يعتدي على الممتلكات الجامعية أو على أحد أفراد الهيئة التدريسية أو الطلبة.
• إعادة النظر في معايير القبول الجامعي ورفع الحد الأدنى للقبول إلى 75% في التخصصات الجامعية كافة (أو على الأقل في الجامعات الكبرى)، لضمان دخول طلبة يمتلكون مستوى معرفي وسلوكي ناضجًا ومتزنًا.
سادساً: الجامعات حاضنة الريادة والإبداع
يجب أن تبقى الجامعة فضاءً رحبًا للفكر والبحث والابتكار، لا مسرحًا للتوتر والصدام.
الجامعة التي تفقد أمنها، تفقد رسالتها. والطالب الذي يخرج منها دون احترام للقانون، يخرج منها بلا علم حقيقي.
لذلك؛ فإن تحصين البيئة الجامعية أخلاقيًا وسلوكيًا شرط أساسي لبناء جيلٍ من القادة والمبدعين الذين ينهضون بالأردن فكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
الخلاصة أن من أمِن العقاب أساء الأدب.
وما أحوجنا اليوم إلى إعادة ضبط المفاهيم داخل جامعاتنا؛
فالقوة في الوعي لا في العنف،
وفي القانون لا في الفوضى،
وفي الانضباط لا في التسيّب.
الجامعة مرآة المجتمع، وإذا تكسرت صورتها، انعكس الشرخ على الوطن بأكمله.
ــ الراي