صندوق الأراضي في الأردن: إدارة حديثة للثروة العقارية..المحامي الدكتور                                                                                     فواز أبو حجلة

الشعب نيوز:-

 

مقدمة:

في ظل تسارع التوسع العمراني وارتفاع أسعار الأراضي في الأردن، تبرز الحاجة إلى آلية جديدة لإدارة هذه الثروة الوطنية بعيدًا عن البيروقراطية الحكومية التقليدية. من هنا تبرز فكرة إنشاء صندوق الأراضي، كمؤسسة وطنية متخصصة تدار بمعايير استثمارية حديثة تشبه في طبيعتها البنوك، لكنها تركز على إدارة الأراضي بوصفها أصولًا استراتيجية غير منقولة.

يهدف الصندوق إلى تحقيق توازن بين الربحية والكفاءة الإدارية، وضمان استدامة التنمية من خلال إدارة حديثة شفافة ومستقلة ماليًا وإداريًا.

لماذا صندوق وليس بنك كما فعلت بعض الدول ؟

يختلف مفهوم الصندوق عن البنك في جوهره: فالبنك يتعامل بالأموال والسيولة النقدية، في حين يتعامل الصندوق بالأراضي كأصول مالية طويلة الأمد.

تسميته بـ”صندوق الأراضي” تعكس خصوصية وظيفته في إدارة الأصول العقارية وليس الأموال النقدية وتعبّر عن طبيعته الاستثمارية والتنموية، وعن خصوصية مهمته في تنظيم سوق الأراضي وتطويرها لتصبح رافعة اقتصادية مستدامة للدولة.

إعادة هيكلة الإدارة العقارية:

لتحقيق الكفاءة الإدارية، يُقترح نقل تبعية دائرة الأراضي والمساحة إلى الصندوق المقترح بدلًا من وزارة المالية، لتحقيق:

  • تحرر إداري ومالي من البيروقراطية.
  • تسريع الخدمات من خلال أتمتة شاملة للمعاملات.
  • استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل السوق ومتابعة المؤشرات العقارية بشكل لحظي.
  • تكامل قواعد بيانات الأراضي والسجل العقاري والمخططات التنظيمية في منظومة وطنية واحدة.

هذه الخطوة تتوافق مع معايير التحول الرقمي للحوكمة العقارية التي أوصت بها الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة FAO عام 2025.​

 

إدارة أملاك الدولة بطريقة حديثة:

أملاك الدولة تمثل ثروة وطنية ضخمة، لكن إدارتها التقليدية غالبًا ما تؤدي إلى هدر المال العام وتعقيد الإجراءات. الصندوق المقترح سيعمل على:

  • توظيف الأراضي الحكومية في مشاريع استثمارية مدروسة تحقق عائدًا ماليًا للخزينة.
  • تقديم تسهيلات مالية للمواطنين لاستثمار الأراضي الحكومية وزراعتها، بما يعزز الأمن الغذائي ويشجع التنمية الريفية.
  • الغاء التعقيدات والروتين عبر اعتماد أنظمة إلكترونية شفافة.
  • ضمان الشفافية والمساءلة في تخصيص الأراضي ومنع أي تجاوزات.
  • يتيح للمواطنين حق الانتفاع طويل الأجل بدل البيع النهائي، مما يحافظ على الثروة الوطنية.
  • ينشئ شراكات مع القطاع الخاص وفق نظام “الاستثمار بالعائد المشترك” لجذب رؤوس الأموال دون التفريط في الملكية العامة.​
  • يوظف جانبًا من أرباحه في دعم التنمية المحلية والبنية التحتية.
  • سجل عقاري ذكي وشفاف:

يعتمد الصندوق على إنشاء سجل عقاري رقمي موحد يعتمد على:

  • الذكاء الاصطناعي في إدارة وحفظ السجل العقاري وتصنيف الأراضي وقيمتها السوقية.
  • GiS و Blockchain لحماية البيانات من التلاعب وضمان الموثوقية.​
  • توفير مؤشرات لحظية للأسعار والعرض والطلب في السوق عبر بوابة إلكترونية مفتوحة.
  • تحويل جميع الملكيات إلى شهادات رقمية مؤمنة ومتاحة للمواطنين والمستثمرين في أي وقت.
  • توفير مؤشرات وأسعار الأراضي بشكل فوري مثل البورصة.
  • تقديم تحليلات دقيقة للتعاملات العقارية لدعم القرارات الاستثمارية.
  • تمكين المواطنين والمستثمرين من إجراء معاملاتهم إلكترونيًا (اون لاين) ومن أي مكان.

أدوات تمويل واستثمار مبتكرة:

  • إصدار سندات عقارية وطنية تعتمد على قيمة الأراضي الحكومية كمصدر تمويل للمشاريع الكبرى.
  • تطوير صندوق فرعي للزراعة المستدامة وآخر للتوسع الحضري وتمويل الإسكان الاجتماعي.
  • تبني مفهوم التمويل الأخضر العقاري المتوافق مع خطة النمو الأخضر 2025.​
  • تمكين المغتربين الأردنيين من الاستثمار الإلكتروني في السوق المحلي من خلال بوابة رقمية متخصصة.

شراكات مع القطاع الخاص:

لتحقيق أهداف التنمية العمرانية، سيعمل الصندوق على:

  • إبرام شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص لرفد المجهود العمراني. وانشاء مشاريع سكنية من قبل القطاع الخاص تكون مدعومة ومكفولة من هذا الصندوق.
  • تشجيع الاستثمار العقاري في مشاريع سكنية وتجارية.
  • توفير سكن مناسب لذوي الدخل المحدود عبر برامج تمويلية وتخصيص أراضٍ بأسعار مدروسة.

آلية عمل الصندوق:

إدارة الصندوق بأسلوب مشابه لعمل البنوك من حيث:

  • الموازنة بين تحقيق الربح ورفع مستوى الخدمة.
  • خدمات الكرتونية مؤتمتة تضمن تداول العقارات إلكترونيًا مثل الحسابات البنكية.
  • إنشاء منصة إلكترونية وطنية لعرض الأراضي الحكومية والخاصة.
  • إصدار شهادات ملكية رقمية لتسهيل التداول.

أهداف الصندوق الاستراتيجية:

  • خفض أسعار الأراضي من خلال توسعة العرض وتنظيم السوق.
  • ضمان عدالة التوزيع ومنع الاحتكار والمضاربات.
  • تحسين إدارة الأراضي الحكومية لزيادة إيرادات الخزينة.
  • تعزيز الاستدامة الزراعية والعمرانية لتحقيق رؤية الأردن.​
  • جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتسهيل إجراءات تسجيل الملكية.

أمثلة من تجارب عالمية ناجحة:

  • الولايات المتحدة: بنوك الأراضي مثل Genesee County Land Bank ساهمت في إعادة استخدام الأراضي المهجورة وتحويلها إلى مشاريع سكنية وتجارية.
  • هولندا وألمانيا: اعتمدت بنوك الأراضي لدعم الزراعة وتسهيل انتقال الملكية للأجيال الجديدة، مما ساهم في استقرار السوق الزراعي.
  • العراق: أدرج مشروع بنك الأراضي في الموازنة لعام 2025 بهدف إنشاء قاعدة بيانات مركزية وتسهيل تخصيص الأراضي للمشاريع الاستثمارية.

الخاتمة:

يمثل صندوق الأراضي في الأردن خطوة استراتيجية نحو اقتصاد حقيقي قائم على إدارة فعالة للأصول. فهو ليس مجرد جهاز حكومي بل ذراع استثماري ذكي يعيد توظيف الأراضي لخدمة التنمية الوطنية.

من خلال الدمج بين التحول الرقمي، الشفافية، والإدارة المؤسسية الحديثة، سيصبح الصندوق ركيزة لتحريك السوق العقاري، وتحقيق العدالة في تملك الأراضي، وتوليد عوائد اقتصادية مستدامة للدولة والمواطن.

إن هذه المبادرة تضع الأردن في مصاف الدول التي نجحت في تحويل أراضيها من عبء إداري إلى ثروة وطنية منتجة تدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي طويل الأمد.

 

 

 

قد يعجبك ايضا