
دماء على ثرى حوران: وقفة نشامى صدقوا الوعد بقلم: المستشار الإعلامي جميل سامي القاضي
الشعب نيوز:-
لا تزال ذاكرة الوطن تحتفظ بين طياتها بلحظات الخلود، تلك التي سطرها رجال بإيمانهم ودمائهم، ليظل علم الأردن شامخاً، وعزته منيعة. إنها حكاية من حكايات الفداء، تروي كيف يولد الرجال في ساحات الشرف، وتُختَم في سجلات البطولة.
في ليلة السبت المصادف 27 تشرين الثاني من عام 1971، لم تكن ليلة عادية في تاريخ حدودنا الشمالية وسهل حوران و الرمثا. فبعد منتصف الليل، حين كان السكون يلف المنطقة، كان ثلاثة من رجال الوطن وقادة الحدود يتحركون في ظلام الليل، لا يحدوهم إلا واجبهم الوطني ، لم يكونوا مجرد قادة يؤدون مهاما روتينية، بل كانوا أسودا من أسود الحق، يخوضون رحلة في عرين الخطر على الحدود الشمالية.
كانوا ثلاثة: والدي بكل فخر الشيخ سامي القاضي ( الرائد آنذاك في الجيش العربي ) -رحمه الله- ورفيق دربه الشهيد (النقيب) البطل صالح الخريشا مدير شرطة الرمثا ، والعم عبد الكريم العودات ( الرائد آنذاك ) مدير استخبارات الرمثا ، خرجوا في جولة تفتيشية استثنائية، حيث يمتزج تراب الوطن الأصيل بتراب الغادرين، حاملين معهم أمانة الوطن وثقة الشعب.
وفي سهل حوران، حيث تتجلى معاني الشرف والتضحية، انقضت عليهم قوى الشر من خارجين على القانون وانفتح كمين الغدر ليُسقط أولى زهرات بستان الأمن والأمان، ليسقط فارس من فرسان الحق، الشهيد البطل صالح الخريشا، ويُجرح رفيقاوالدي بثلاث رصاصات ، لكن إرادة الحياة لم تنكسر.
جُرح الشيخ سامي القاضي -رحمه الله- بثلاث إصابات بارزة، كثلاثة أوشاح من الشرف، نُقشت على جبهته الطاهرة وقدمه المباركة، لتظل شاهدا أبديا على اليوم الذي كتب فيه الأردنيون بدمائهم أغلى قصائد الفداء.
وكانت المفارقة التاريخية أن هذه الواقعة الأليمة وقعت قبل يوم واحد فقط من استشهاد العملاق، فارس الأردن وصفي التل، وكأن الأقدار كانت تحيك بخيوط من ذهب سجل الشرف الأردني، لتؤكد أن هذا الوطن ينجب الرجال في كل زمان ومكان.
ما إن انتشر خبر الحادث، حتى تحركت مشاعر النشامى والأخوة ، وأتذكر كيف اندفع العم المرحوم زيد الفواز الزعبي، ونشامى الرمثا وحوران الأبطال، كالسيل الهادر إلى بيت العائلة في الرمثا، وأخذوني معهم إلى مستشفى إيدون العسكري لزيارة والدي البطل.
وعند وصولنا إلى المستشفى، كان المشهد أكثر إثارة للدهشة والإعجاب، عندما رأيت أهالي الحيزاء من بني خالد والأهل والاهتمام من حوشا ، وهم فرسان العز والشهامة، يفترشون أرض المشفى، يحملون السلاح، متأهبين للدفاع عن الوطن و كانت عيونهم تراقب الأفق، وقلوبهم تنبض بحب الوطن، في مشهد قال للعالم أجمع: “الأردن خط أحمر، وحماته رجال لا يعرفون التراجع”.
اليوم، وبعد سنوات طويلة على هذه الواقعة، تظل الدروس والعبر حية في وجدان كل أردني رحم الله الشهيد صالح الخريشا، ورحم الله الشيخ سامي القاضي، ورحم الله جميع شهداء الأردن الأبرار الذين أناروا بدمائهم الطاهرة درب العزة والكرامة لهذا الوطن.
لقد رحلوا عن أعيننا، لكنهم لم يرحلوا عن قلوبنا، ولم تغب سيرتهم العطرة عن ضمير الأمة. هم هنا، في كل ذرة تراب من تراب هذا الوطن المعطاء، في كل نسمة هواء تملأ صدورنا فخرا، في كل قلب ينبض بحب الأردن.
إنها رسالة إلى نشامى الأردن في كل مكان: هؤلاء هم آباؤكم وإخوتكم، هذا هو إرثكم الذي ورثتموه، إرث الشجاعة والتضحية والإباء ، فلتحملوا الأمانة كما حملوها، ولتسيروا على الدرب كما ساروا، عاليي الهمة، أشداء على الأعداء، رحماء بينكم.
فالأردن باقٍ بأبنائه، شامخٌ بشهدائه، عزيزٌ بنشامى لا يهابون الموت عندما يُنادى: يا أردن!
تحيا المملكة الأردنية الهاشمية تحت راية آل البيت الكرام وتحيا برجالها الأبطال .