أنصت لا يكفي أن تستمع

الشعب نيوز:-

د. هشام كلندر  __ كاتب كويتي

اللغة العربية، لغة بليغة، لغة ثرية، كيف لا وهي لغة القرآن، تتطلب منا التأمل والتدبر لكلماتها الجميلة، ذو المعاني الدقيقة، التي تصف الأحوال، وتبين المقال، فيجب الحرص والحفاظ عليها، وتعلمها، والاهتمام بها.

للأسف رأيت في الآونة الأخيرة حرص الأسر على تعليم أبنائهم اللغة الإنجليزية وهذا شيء محمود ولا بأس فيه، ولكن ليس على حساب لغتنا العربية. سأتناول كلمتان، قد يظن البعض أنهما مترادفتان، ولكنهما في حقيقة الأمر مختلفتان، وقد ذكرتهما في العنوان، وهما أنصت واستمع. بل أن هناك أيضا فرق بين السماع والاستماع.

فالسماع هو قيام الأذن باستقبال الأصوات سواء بقصد أو بغير قصد. وأما الاستماع فهو سماع الأصوات من مصدرها بانتباه حتى يتمكن من فهم واستيعاب ما يقال. بالمقابل الإنصات هو المرحلة الأعلى والأسمى وهو سماع الأصوات من مصدرها بانتباه حتى يتمكن المستمع من فهم واستيعاب ما يقال بعقل منفتح وقلب سليم وبرغبة وإرادة حقيقية واستعداد واضح إلى تغيير موقفه، رأيه، أفكاره، قناعته إذا اقتنع بما يسمع.

وأفضل ما يوضح المعنى قوله تعالى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (سورة الأعراف، ٢٠٤). ذكر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية فقال، “هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه. وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير”.
تعتبر مهارة الإنصات مهمة في مكان العمل وفي المحاضرات وفي النقاشات وفي كل مناحي الحياة. فللإنصات فوائد كثيرة، فهي وسيلة فعالة لبناء الثقة والعلاقات القوية، ويتيح لك تحديد المشكلات أو توقعها، ويمكن أن يساعدك الإنصات الفعال على حل الخلاف، ويمنعك من فقدان المعلومات المهمة.، بل يساعدك على بناء المزيد من المعرفة.

الآن بعد أن عرفنا الدور المهم للإنصات، فعلى الجميع تعلم مهارة الإنصات، وتنميتها، وبذل الجهد لذلك. تطوير مهارة الإنصات ليست مهمة تأتي بين عشية وضحاها، بل بمرور الوقت. حاول أن تستمع للفهم لا للرد.

في الختام من المؤكد أن الإنصات الحقيقي إلى كلمات الآخرين سيحدث فرقًا إيجابيًا في علاقاتك سواء كانت أكاديمية أو مهنية أو شخصية، فالكثير منا يسمع ولا ينصت.

قد يعجبك ايضا