بلاش باشا وبيك تحت قبة البرلمان!

171
الشعب نيوز:-
أسامة الرنتيسي –

 

 وسيلة التخاطب ظاهرة لافتة للنظر  تحت قبة البرلمان، فرئيس مجلس النواب، والسادة الأعضاء، منشغلون بضبط صفة التخاطب بينهم،  لتسمع دائما تفضل يا باشا وتفضل يا بيك.

 التخاطب تحت القبة لا يحتاج إلى هذه الألقاب، إنما يكفي تفضل زميل وتفضلي زميلة، أما باقي الألقاب فليست قبة المجلس مكانها.

صحيح أننا في الأردن تقتلنا  المبالغات أكثر، والتفخيم، وتورم الغدد، واعرف مع مين ابتحكي، والعرط على الفاضي والمليان.

تذبحنا المناصب، واحتلال المكاتب الخاصة، والوظيفة الرسمية، والمستشارية، والخبراء.

تدخل مكتب موظف في أية مؤسسة، لتجد لوحة باسمه الكامل حجمها أكبر من حجم أي إضبارة على سطح مكتبه، حتى إذا جلس إلى مكتبه فإن اللوحة تكاد تغطي عليه.

غرقنا لسنوات في معالي الشعب الأردني، وأصبح لقب معالي حلم كل أردني وأردنية.

 سعادة فلان، وعطوفة علان ما عادتا تكفيان، فحامل لقب العطوفة يحلم بالسعادة، والسعادة يحلم بالمعالي، والمعالي يحلم بدولة فلان.

لهذا دوخنا النائب الذي يحلم بالوصول إلى كرسي الوزارة، ويطمح أن يصل إلى الدوار الرابع حاملا لقب دولة.

واختلفنا لغويا على صفة النائب والنائبة، فسعادة النائبة، يروق لبعضهم أن يفسرها “تدليع للمصيبة”، وحار اللغويون في تغليب المذكر على المؤنث في قضية النائبة، فكيف إذا كانت “سعادة النائبة الباشا..”.

استنسخ المجتمع المدني ألقاب الرتب العسكرية، فكثر لقب يا باشا، ووصلت كتلة الباشاوات إلى نحو ربع مجلس نواب سابق، وتراجعت قليلا في المجلس الحالي.

كلنا في الأردن نحمل صفة بيك، وجمعها إن صح بيكاوات، تسمعها في كل مكان، في المحادثات التلفونية، وفي المحاضرات وورشات العمل، وفي المؤتمرات الصحافية، فهي لغة الخطاب بين الجميع.

لم تعد الألقاب العلمية ذات جدوى وتأثير نفساني في المستمعين، فالأستاذ والدكتور والمهندس، وغيرها من الألقاب العلمية، غير مرغوبة من أصحابها، إذ يعتبرونها تصغيرا من شأنهم إذا لم يُدْعَون “معالي الدكتور” و “سعادة المهندس” و “دولة الباشا”.

لهذه الألقاب وقعها في المجتمع الأردني أكثر من اللازم، وهي في الأحوال كلها ألقاب محترمة، إذا ترافقت مع الانتاج والعطاء والإخلاص والتواضع.

لكنها تصبح حملا على البلاد والعباد، إن جاءت للتفاخر والتعالي، والوصول إلى مواقع لا تتناسب ومؤهلات صاحبها.

بعضهم يطنش إذا ناداه محدثه يا دكتور، وهو في الواقع خريج بكالوريوس تقدير مقبول، وينتفض إذا قال له يا بيك، وهو في الواقع باشا، فكيف الحال اذا أخطأ متحدث بين معالي ودولة.!

في الصحافة، توافقت الكتابة في معظمها على استخدام الألقاب العلمية فقط، لكن بعض “البيكاوات والباشاوات والسعادات والسماحات والمعالي والدولة…” لا تنفرج أساريرهم عندما يغيب اللقب من مقدمة أسمائهم، ولا يفرحون بالألقاب العلمية، لأنها أصبحت كثيرة، وببلاش على رأي بعضهم.

معالي الشعب الأردني، بيكاوات الشعب الأردني، باشاوات الشعب الأردني، سعادات الشعب الأردني.. تواضعوا قليلا، فلا يمكث في الأرض إلا العمل المنتج الذي يزرع في الوجدان الشعبي، ما ينفع الناس ويكرس صاحبه صاحب مبادرة وإنجاز حقيقي، أما “النفخ والعرط” فيختفي مع بداية الابتعاد عن المنصب، ومع أول حفنة تراب تُهالُ على الجثمان ، وكأنه لم يكن.

الدايم الله….

قد يعجبك ايضا