المال بقلم: نادية نوري
الشعب نيوز:-
تبادر إلى ذهني، وأنا أكتب عن المال في حياة الإنسان، أن أسأل البعض عن تعريف المال وما يمثله بالنسبة لهم. لخص البعض القول بأن المال هو الحياة، بينما رأى الأغلبية أنه وسيلة لتكملة المشوار براحة وسعادة. آخرون اعتبروه رمزًا لرغد العيش والرفاهية، فيما رأى البعض أن المال وسيلة لإسعاد النفس ومن نحب؛ لأننا عندما نملك المال، نستطيع إسعاد من حولنا، جلب الهدايا، والتزاور. فالهدايا تعبر عن المشاعر بواقع ملموس، وقد قال رسولنا الكريم: “تهادوا تحابوا”.
منهم من رأى المال سفرًا وسياحة وثقافة، ومنهم من وصفه بالاختبار. وقد جاء جواب أحدهم غريبًا، إذ قال إن المال يشكل مصدر خوف بالنسبة له؛ لأنه يعيش الآن مرتاح البال، ولكن إن امتلك المال سيعيش في خوف دائم من فقدانه بعد أن يذوق حلاوته. كما سيشعر بالشك تجاه كل من يتودد إليه، ظنًا أن السبب هو طمعهم في المال وليس حبهم له. لهذا، اختار أن يبقى فقيرًا!
أما البعض الآخر، فقد رأى أن الرضا والإيمان بالقناعة بما أعطانا الله هما الأهم. ورغم اختلاف نظرة الناس للمال، أجمعوا على أنه وسيلة للسعادة والاستمتاع بنعم الله سبحانه وتعالى.
وسط هذه الآراء، يراودني تساؤل: من منا أخذ خطوة فعلية لتنمية أمواله واستثمارها؟ أغلبنا يعيش بدخل ثابت بالكاد يكفيه، ويتمنى زيادة دخله دون أن يضع خططًا واضحة لتحقيق ذلك. للأسف، تربينا منذ الصغر على الخيال والأمنيات التي تتحقق بالسحر والمعجزات. نشأنا على قصص خاتم سليمان، والفانوس السحري، والحورية التي تحول ثياب سندريلا البالية إلى أجمل الثياب، والبساط السحري الذي يطير بالأحلام. وحتى في الواقع، تأثرنا بقصص عامل نظافة وجد كنزًا في القمامة، أو سيدة صينية ورثت إناء أثريًا قيمته ملايين، أو رجل عثر على لوحة فنية بيعت بثروة.
لكننا نسينا أن النجاح الحقيقي لا يأتي من الخيال، بل من السعي والاجتهاد. أتذكر كتابًا قرأته بعنوان “أغنى رجل في بابل”. يحكي الكتاب قصة عامل بسيط بالكاد يكفيه دخله، لكنه بنصيحة من صديق، وتخطيط مدروس، تحول إلى أغنى رجل في بابل. لم يستسلم لواقعه، بل اجتهد وغيّر حياته بالكامل.
لتحقيق الوفرة، علينا أن نكتشف إمكانياتنا ونستغل مواهبنا ونقاط قوتنا. يجب أن نحدد أولوياتنا ونقارن بين دخلنا ومصروفاتنا. علينا أن نؤمن بأن السعي للحصول على المال لا يتعارض مع الرضا والقناعة، فالنبي سليمان -عليه السلام- دعا الله قائلًا: “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي”.
في كتاب “روح المال” للناشطة لين تويست، أشارت إلى أن الاكتفاء حالة ذهنية تُعزز إحساسنا بهويتنا وما نملكه. وعندما نضيف الإبداع والشجاعة لعلاقتنا بالمال، نحقق ازدهارًا لأنفسنا وللآخرين.
داخلنا صراع بين الزهد في الدنيا باعتباره تمام الإيمان، والرغبة في السعادة والوفرة. لكن الاثنين لا يتعارضان، فالمال رزق من الله، لكنه لا ينزل دون السعي والاجتهاد. كلما زاد مالك، زاد عطاؤك للمحتاجين، مما يقربك من الجنة. نتذكر هنا سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي أنفق ماله لتجهيز جيش العسرة، وكان من المبشرين بالجنة.
علينا أن نسعى لنكون ممن يسخرون أموالهم لإعمار الأرض ومساعدة الآخرين، مع اليقين بأن الرزق بيد الله وحده. قال تعالى: “أَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ”. جعلنا الله وإياكم ممن يسعون للخير، ويعمرون الأرض، ويُحسنون إلى الآخرين.