كُشَري بالعسل.. سعيد ذياب سليم
الشعب نيوز:-
على إشارة المرور، تُفرض عليك موسيقى صاخبة لا تعرف إن كانت حزينة أم فرحة، محلية أم عالمية. خليط من الضوضاء يلامس الأذن لكنه لا يصل إلى القلب أو الروح. إنها الموسيقى التي تُجبر على سماعها مهما كانت حالتك، حتى لو كنت تسير خلف جنازة.
هذا المشهد ليس مجرد ضوضاء عابرة، بل تعبير عن حالة نفسية جماعية. آثار ما بعد الصدمة باتت واضحة في شوارعنا العربية، حيث ما حدث في الشرق الأوسط خلال الخمسة عشرة شهرا الماضية أصاب أعصابنا، أعطب مشاعرنا، وأربك مراكز المنطق والحواس، تآكلت قدرتنا على الفرح وتراجعت قدرتنا على الحزن الحقيقي، فكل شيء أصبح خليطًا مضطربًا.
ما نعيشه هو مزيج من الغضب والمرارة، الصمود والتحدي، الأمل واليأس، والضعف الذي يغلّف كل ذلك. فمشاهد العنف والدمار تركت ندوبًا في النفوس لا تقل عمقًا عن تلك التي أصابت أبناء فلسطين، أو لبنان، أو سوريا. تلك الخسائر، رغم أنها ليست مادية، لا يمكن استعادتها بسهولة.
مطابخ السياسة وطبخة الكُشري
كانت الميادين تضج بالحركة، والمطابخ السياسية تغلي بوصفات حرّيفة حارقة. تبادلت الأذرع الإيرانية والإسرائيلية الصفعات، على الأرض وفوق رؤوسنا، بينما تحملنا نحن نتائج كل ذلك في حياتنا اليومية. وسط كل هذا، تغيرت المعادلة.
اختفى بعض الطهاة المهرة ، وظهرت طبخة سياسية جديدة – مزيج مألوف لكنه بنكهة غريبة، تمامًا كالكشري بالعسل.
المكونات معروفة: معكرونة، أرز، عدس، بصل مقلي وصلصة حارة، لكن إضافة العسل جعلت الطبق غريبًا. فهل يمكن لهذه الوصفة أن تصبح جزءًا من قائمة الطعام على مائدة الشرق الأوسط؟
النصر: مفهوم معقد
في هذه المنطقة، وبعد الحرب الأخيرة، النصر ليس فرحة بمكتسبات مادية خالصة. الشهيد الذي يبتسم في كفنه منتصر، والطفل الذي يزحف بأطراف مقطوعة على ثرى أرضه منتصر، والعجوز التي تقف على أنقاض منزلها مبللة الأجفان بالدمع منتصرة. حتى الطفل الذي يهمس عند قبر خاله “انتصرنا يا خال” يعرف أن النصر هنا هو الإرادة، الصمود، والتحدي المستمر.
لكننا نحتاج إلى إعادة تعريف النصر. هل هو تحقيق الشروط التي وضعناها منذ البداية؟ أم أنه مجرد صمود في وجه العواصف؟
الخاتمة: الكشري بنكهة العسل
واليوم، بعد أن هدأت الجبهات وتغيرت ملامح المنطقة، نجد أنفسنا أمام طبق الكشري بالعسل. الجميع يسوّق هذا الطبق كإنجاز، والجميع يرفعون إشارة النصر. لكن يبقى السؤال: هل سنتقبّل هذا الخليط الغريب، أم أن النصر الحقيقي هو في قدرتنا على صياغة واقع جديد؟ فالأرض أرض الله، والوعد وعده للمؤمنين إذ قال:” غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*”.
سعيد ذياب سليم