مفاوضات في الباطن وتهديدات فى الظاهر ؛ د. حازم قشوع

4٬301
الشعب نيوز:-

على الرغم من حالة الوعيد ومناخات التهديد التى ترسلها واشنطن إعلاميا وتقوم بها اسرائيل ميدانيا، إلا أن حالة اخرى يتم ترسيمها عبر خطوط باطنية بعناوين مفاوضات ايرانيه امريكيه تجرى فى مسقط أوشكت على وصول الطرفين لاتفاق نووي، واخرى تستضيفها السعودية روسية أوكرانية وصلت لحد وقف إطلاق النار فى شرقي اوروبا، كما تتدخل واشنطن بمفاوضات مباشرة مع حماس فى القاهرة، وأخرى تتعلق بالمرحلة الثانية فى الدوحة ترتكز على العناوين الأساسية لمرحلة ما بعد الهدنة وكما تتضمن بما يعرف باليوم التالي لوقف إطلاق النار وبيان استقرار حالة الأوضاع في قطاع غزة.

وهذا ما جعل من طبيعة المشهد الدائر ساخن فى الظاهر ودافئ في الباطن، يبشر بعودة الاستقرار بالمنطقة ولا ينذر بتاجيج مناخات الصراع فيها، وهى المناخات التي تعكس المنهجية البراغماتية التي تقف عليها إدارة ترامب في قيادة المشهد العالمي، وبين المنهجية الجديدة للبيت الأبيض فى ادارة الازمات خصوصا فى المناطق الساخنة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، كما يبين أن المشهد العام يتجه لوضع ارضية عمل جديدة لاعادة التوازن الجيوسياسي في المناطق الساخنة والذي سيكون مدار اعتماد من الناحية القطبيه فى اللقاء الذى يتم التمهيد عليه بين بوتين وترامب فى الشهر القادم كما يتوقع مراقبين.

وان كانت زيارة الرئيس ترامب قد بينت خطوط مسيرها العامة حيث ستكون تجاه لندن ومن ثم ستتجه الى الرياض التي ستكون المحطة الرئيسيه الثانيه للطائره الرئاسيه 1، وهذا ما يعني ضمنيا أن توافق اصلاحي قد تم صياغته بين البيت الأبيض وعمق الدوله العالمي في المفاصل الرئيسية التي كانت تعتبر أساسية في طريقه من الناحية الاستراتيجية قبل اعتماد جدول الأعمال من الناحية القطبية، هذا إضافة لحواضن اسقاطات ذلك على المناطق الساخنة فى أوكرانيا كما فى شرق المتوسط حيث تدار عملية اقتسام حدود النفوذ.

وهذا ما يجيب على سؤال يتعلق بخلط الأوراق فى الجغرافيا السوريه الذى مازال مهدد بعناوين التقسيم بعد انضمام روسيا الى امريكا واسرائيل فى شرعنة التقسيم، ووقوف عمق الدوله العالمي مناوئ لذلك ومحاولات ذات التوجه ضم أجزاء من سيناء وسوريا والضفة لصالح الكيان الاسرائيلي ووقوف عمق الدوله العالمي فى الطرق النقيض لذلك، وهذا ما يعنى أن فى حال التوافق على الضم فإن هذه العملية ستشمل الأطراف المحيطة فى الزنار في شرق أوروبا كما فى شرق المتوسط.

ومع بداية شهر ابريل نيسان القادم تكون فترة ال100 يوم الأولى من العمر الرئاسي في البيت الأبيض قد انتهت، وهذا ما يعني أن حالة الاحتراز الدبلوماسي قد انقضت ويكون على البيت الابيض امام تحديد البوصلة و اتخاذ الخطوط العامة لمسيرته القادمه، ان كان ذلك حيال مكانة أمريكا في عمق بيت القرار أو تعلق الأمر من مدى التوافق التي تريد أمريكا ترسيمه مع روسيا الاتحادية، التى ستدخل للحالة القطبية لكن ليس بالطريقة التى كان يريدها ترامب بوتين أي على طريقة المشاركة القطبية لكن ضمن مناطق نفوذ محدودة تقتصر على المستوى الجيوسياسي فقط، ولن ترتقي الى المكانة الجيوستراتيجية المطلقة التى كان من المفترض أن يكون عليها الحال لكنها ستبقى فى حوضها الاقليمي وليس فى المكانه الدولية باعتبارها طرف دخيل لعمق بيت القرار العالمي.

خلاصة القول أن ما يتم التوافق حوله قد يشكل أداة ضاغطة قد تؤثر على الجغرافيا السياسية فى المنطقة، التى من المنتظر أن يعتريها أجواء من الضم القسري والتفكك بالنزاعات الإثنية التي ستشكل أداة فاعلة تسهم باختراق حالة الوحدة التي تشكلت منها المجتمعات منذ حوالي قرن من الزمان، وهو ما يستدعي احتواءه ضمن جملة تفاهمات إقليمية تشكل رافعة تصون مجتمعات المنطقة وتحول دون تجزئتها إلى نماذج تقوم على اثنيات مذهبية او أعراق جغرافية، وهذا ما تريده اسرائيل فى فلسطين كما تسعى اليه فى سوريا وما تحاول قضمه على مراحل فى سيناء.

وهو ذات التهديد الذي تحاول التصدي اليه الأردن ومصر والعراق، كونه تهديد خطير يهدد أمن المنطقة و يقوض محتوى الأمان لمجتمعاتها، فإن قيام دولة كردية ينتظر أن يؤثر بطريقة مباشرة على العراق وسوريا، كما على تركيا وإيران بطريقه غير مباشره، كما أن مسالة تشكيل جيوب طائفية فى الجنوب السورى وفى الغرب حيث البحر المتوسط يهدد الجغرافيا السياسية السورية وأن انفصال أيا منها يعتبر تغيرا ضمنيا على مستقرات المنطقة، فإن المنطقة مثل المسبحه التي متى ما انفرط عقدها فرطت معه مستقراتها القائمة، وهو الأمر الذى أصبح يشكل تهديد وجودي على مجتمعات المنطقة.

وهنا تبرز دور مقررات الشرعية الدولية والمستقرات الأممية التي من المفترض أن تشكل عنوان احترام من قبل الجميع، فان الاوضاع إن بقيت تدار وفق قانون القوة دون العودة الى قوة القانون الدولي في بسط نفوذه فإن المنطقة ستبقى تعيش ظروف قاهرة وهذا لا يخدم الأمن الاهلى للمنطقه ولا السلم الدولي الذي من المفترض على الجميع احترامه حتى يعود السلام الإقليمي يخيم على مجريات الأحداث، ويعود للقانون هيبته وللمجتمعات حالة الأمان المفقود فى تهديد الحلول العسكرية والقرارات غير القانونية التي يتم إسقاطها على المشهد العام بشكل خطير، وهو ما يستلزم استدراكه وفق تفاهمات يتم بلورتها بمفاوضات باطنية وسط ديماغوجية إعلامية أخذت ما تشكل علامة فارقة في المشهد العام للحد الذي اصبح فيه يدار بين مفاوضات في الباطن وتهديد ووعيد فى الظاهر.

قد يعجبك ايضا