
الاقتصاد الأميركي بين نشوة الرسوم الجمركية وحافة الركود
الشعب نيوز:-
زياد الرفاتي
يعمل الرئيس الأميركي منذ تنصيبه في العشرين من كانون الثاني الماضي لأربع سنوات حكم قادمة على تنفيذ وعوده وتعهداته التي قطعها للناخبين في برنامجه الانتخابي ، ويسعى جاهدا للايفاء بها لانقاذ الاقتصاد الأميركي حسب قوله .
ومن أبرز ما ورد في برنامجه فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بهدف جلب الأموال للولايات المتحدة لتمويل الحكومة بدلا من الضريبة والتعويض عن تخفيف الضرائب الذي وعد الأميركيين به وانجاز أمور تقلل من الضرائب وتخلق العديد من الوظائف وحماية الصناعات المحلية وتعديل الميزان التجاري مع الشركاء الذي يميل لصالحهم .بنظام حمائي للاقتصاد الأميركي أمام نظام اقتصادي عالمي جديد .
والهدف زيادة الايرادات ، وسلبياتها قد تبطئ النمو الاقتصادي ومن المتوقع ارتفاع أسعار المنتجات وزيادة التضخم بنسبة 0،6% وانخفاض الثقة لدى المستهلكين والضعف في انفاقهم وهذا مبعث قلق لديهم ، وقد أعلن وزير التجارة الأميركي أن الرسوم الجمركية قد تؤدي الى ارتفاع الأسعار مؤقتا ..
وتشير تقارير اعلامية أميركية أن تعرفات ترمب الجمركية ستؤدي الى زيادة التضخم وتقليص الاستثمارات في الولايات المتحدة وتنذر بضغوط على سلاسل التوريد المهمة لعمل شركات التكنولوجيا .
ووفق سيتي غروب فقد بدأت الولايات المتحدة تعاني ارتفاع مستويات عدم اليقين اثر قرارات الادارة الجديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية وأسلوبها في علاقاتها مع العالم ، فيما يرى رئيس طائرات ” بوينغ ” أن رسوم ترمب الجمركية ترفع التكاليف وتخنق التوريد .
ويطلب ترمب من شركات الأدوية في الخارج نقل التصنيع الى أميركا أو مواجهة الرسوم الجمركية ، ويركز على معالجة أزمة ارتفاع الأسعار التي تسببت فيها الادارة الأميركية السابقة ويكافح كل يوم من أجل خفض الأسعار .
ووفق استطلاع رأي ، فان 49% من الأميركيين يرون أن ترمب يغير السياسة الخارجية للأسوأ .
ويطالب ترمب أوكرانيا باستعادة الأموال التي دفعتها أميركا لها متحدثا عن مبلغ 350 مليار دولار محملا ادارة بايدن المسؤولية عن ذلك ، ومخيرا الاستعادة من خلال النفط أو المعادن النادرة .
وتظهر البيانات الأوكرانية أن أميركا قدمت مساعدات بقيمة 119 مليار دولار والاتحاد الأوروبي 52 مليار دولار ، وألمانيا 18 مليار دولار ، وبريطانيا 15 مليار دولار ، واليابان 11 مليار دولار .
وتحتدم الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن التعرفات الجمركية ، ويتوقع الاتحاد خسارة 28 مليار يورو بسبب رسوم ترمب على صادرات الاتحاد وأعد حزمة رسوم جمركية بنفس المبلغ كاجراء متبادل على الواردات الأميركية ، وأعلن أنه سيرد بحزم وفورا ضد أي حواجز غير مبررة تعيق التجارة الحرة ، وشجب أوروبي لتهديد واشنطن بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية بدءا من مطلع نيسان وسيتخذ الاتحاد تدابير مضادة ورسوم مماثلة للرد على الرسوم الجمركية الأميركية .
وحسب شركات استثمارية عالمية ، يستهدف ترمب الصين بأكبر هجوم اقتصادي من بداية ولايته الجديدة ويقود حرب اقتصادية مفتوحة عليها للحد من الاستثمارات الصينية في الطاقة والتكنولوجيا والسلع الاستراتيجية بأميركا وقد يكون هجوم ترمب على الصين جزء من التفاوض .
وتتابع أن حجم اقتصاد الصين يقدر بنحو 19 تريليون دولار بنهاية 2024 ويعادل حجم اقتصاد 27 دولة أوروبية و أكبر مصدر للسلع في العالم وقلب العالم الصناعي وقوة اقتصادية تهدد هيمنة أميركا وأوروبا ، ونجحت في المنافسة بقدرتها على الدخول للابتكار العالمي وأن تقوقها في الابتكار جعلها تمتلك قوة تنافس بها أميركا وأوروبا وأنها موجودة وقادرة على المنافسة وشركات التكنولوجيا الصينية جذابة للاستثمار ، وأن الصين مضطرة للرد على رسوم ترمب الجمركية وقد ترد بحزم تحفيزية للشركات .
ويقترح ترمب فرض رسوم على السفن الصينية لمواجهة نفوذها البحري ، ويفرض قيودا على الاستثمارات الصينية في قطاعات استراتيجية ويستهدف الصين بأكبر حزمة قيود منذ عودته للبيت الأبيض .
وتظهر البيانات الاقتصادية الصينية ، أن الصين أنتجت 31 مليون سيارة عادية وكهربائية في 2024 ويعادل ثلث الانتاج العالمي صدرت منها 5،8 مليون في ذلك العام .وبأسعار رخيصة ، وأول دولة تنتج 10 ملايين سيارة كهربائية في 2024 ويعتبر 6 من كل 10 سيارات كهربائية صناعة صينية وحصتها تبلغ 60% من سوق السيارات الكهربائية العالمية
وأعلنت الصين أنها مستعدة للرد حتى النهاية اذا استمرت واشنطن بالحرب التجارية على ضوء توقيع ترمب أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية على الصين بنسبة 10% ثم رفعها الى 20% ، وتفرض رسوما جمركية اضافية على مجموعة من السلع والمنتجات الزراعية الأميركية بنسبة 10%- 15% ، وتحث أميركا على وقف استخدام سلاحي الاقتصاد والتجارة .
وقد هز زلزال ترمب تجارة الصين ، حيث تراجعت الواردات الصينية في شباط الماضي بأقوى وتيرة منذ تموز 2023 الى 8،4 % ، ويحذر الصين من خفض قيمة اليوان واليابان من خفض قيمة الين .
أما كندا والمكسيك فتمثلان 900 مليار دولار من الواردات الأميركية ، وحسب ترمب فانه تم استغلال أميركا كثيرا من قبلهما في مجال التجارة وأن نشطاء الحدود يتصرفون بشكل غير قانوني وسيتم وقف العمل بالرسوم في حال وقف الهجرة غير الشرعية عبر الحدود ووقف تهريب المخدرات ..
وتتصف لهجة ترمب التفاوضية بالتصريحات النارية وسياساته بأميركا والعالم استحالة التنبؤ ، ووجه تهديدا للمكسيك بسبب المهاجرين ” اذا لم توقفوا هذا الغزو سأجعل اقتصادكم ينهار في يوم واحد ” ، ويهدد ياسترجاع قناة بنما بطريقة أو بأخرى ويكلف البنتاغون بتوفير ” خيارات عسكرية ” لضمان الوصول الأميركي لقناة بنما ، ويجدد اهتمامه بشراء جزيرة ” غرينلاند ” ويصفها بأنها صفقة رائعة .
ويصف ترمب الاقتصاد الأميركي بأنه يمر في مرحلة انتقالية ، وقد أثارت قوله لهذه الجملة الرعب ولا يستبعد وقوع الاقتصاد الأميركي في ركود لكنه ما زال مصرا على رفع الرسوم الجمركية ولن يتراجع أبدا عن فرضها وأن أميركا تم استغلالها لسنوات وتلك الحقبة لن تعود وتكبدنا تكاليف ما كان ينبغي أن نتحملها ، وأن الاتحاد الأوروبي يعامل أميركا بشكل سيئ وحان الوقت لكي تكون الولايات المتحدة صارمة مع أوروبا ، وسنصبح أثرياء للغاية لدرجة أننا لن نعرف أين ننفق كل هذه الأموال .
وفي استطلاع رأي لسياسات ترمب الاقتصادية ، فقد أظهر أن 57% يرون أن ترمب متردد اقتصاديا ، و70% أن الرسوم الجمركية سترفع الأسعار .
وتدرس ادارة ترمب فرض حظر سفر وتقييد تأشيرات سياحية وطبية وهجرة على مواطني 41 دولة وفقا لمستوى المخاطر الأمنية بتصنيف الدول الى ثلاث قوائم وهي الحمراء والبرتقالي والصفراء .
وتعني الحمراء منع دخول وتضم سوريا والسودان والصومال وايران وافغانستان وكوريا الشمالية ، والبرتقالي تقييد تأشيرات ، والصفراء بمنحها 60 يوما تعديل سياساتها ، وتطرد سفير جنوب افريقيا وتصفه بأنه يكره ترمب .
ورفعت بنوك أميركية من نسب احتمالات دخول اقتصاد أميركا بركود في الربع الرابع 2025 فيما رفعت وكالة موديز احتمالات الركود من 15% الى 35% ، وهو ما أطلق عليه مصطلح ” ركود ترمب ” .
وأعلنت كندا أن هدف ترمب من الحرب التجارية ضم كندا للولايات المتحدة عنوة ، والرد سيكون بفرض رسوما جمركية مماثلة على الرسوم الأميركية بنسبة 25% تعادل 30 مليار دولار كندي على الواردات الأميركية ، وان رئيس وزراء كندا الجديد مستعد للقاء ترمب بشرط احترام السيادة الكندية وأن كندا لن تكون بأي شكل من الأشكال جزءا من الولايات المتحدة ويمكنه العمل مع ترمب لتفادي أي أزمات اقتصادية .
ويتجه اقتصادها الى الانكماش تحت وطأة رسوم ترمب الجمركية وستخفض نمو الناتج المحلي الكندي .
وقرارات ترمب قيد المراجعة المستمرة ، حيث تراجع في الرابع من أذار الجاري للمرة الثانية وقبلها في الرابع من شباط عندما يحين موعد التطبيق عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك بتأجيل جديد الى الثاني من نيسان المقبل على أمل أن تكون كندا والمكسيك قد تحركتا بما يكفي بشأن الحد من تهريب المخدرات .
وحسب رؤساء شركات أميركية فان الرسوم الجمركية قد ترفع معدلات التضخم وتضر بالمستهلكين ، وستصبح مع مرور الوقت ضريبة اضافية يدفعها المستهلك على السلع ، وتعتبر شكلا من أشكال الحرب الى حد ما .
وتسببت سياسات ترمب بالغاء عشرات الالاف من الوظائف في أميركا وأبرزها في الوكالات والمؤسسات الفيدرالية ووكالة USAID. ونصف موظفي وزارة التعليم البالغ عددهم نحو 4 الاف موظف وأدت الى ارتفاع في معدل البطالة خلال شباط .
وقفز الذهب لأعلى مستوى قياسي وتاريخي عند 3000 دولار للأونصة ويحقق مكاسب أسبوعية بنحو 2،5% وتوقعات ببلوغه 3150 دولار هذا العام ، حيث ضعف الدولار سيعزز من مكاسب الذهب العام الحالي مع الاقبال على الملاذ الامن ، مدفوعا بارتفاع حالة عدم اليقين وغموض الرسوم الجمركية وتزايد المخاوف من اثار الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي والطلب القوي على الذهب من البنوك المركزية وهو مفضل أكثر من البيتكوين في الفترة الحالية ، ويعتبر الكاش والذهب من أدوات التحوط الهامة في الفترة الحالية .والظروف الحالية تدعم وجود الكاش في محفظة المستثمرين حاليا .
أما المخاطر على المؤسسات المالية فقد شهدت أسواق الأسهم الاسيوية والأميركية والعالمية تقلبات حادة بعد دخول تعرفات ترمب حيز التنفيذ ومؤشرات حول أدنى مستوياتها والمد الأحمر يضرب تلك الأسواق ، وعدم اليقين يجتاح الأسواق وتسعر قيام الفيدرالي بتثبيت الفائدة في الاجتماع المقبل نهاية هذا الأسبوع ، وكان الفيدرالي قد حذر في وقت سابق من تداعيات سياسات ترمب على الاقتصاد وتعهد بالابقاء على الفائدة عند مستوياتها الحالية لفترة من الزمن .
ورسوم نرمب الجمركية تهدد الاقتصادين الأميركي والعالمي والطريق نحو حفرة الركود ، وتقدر الخسائر القادمة المتوقعة للاقتصاد الأميركي بمبلغ 110 مليارات دولار سنويا ، فيما تقدر خسائر الاقتصاد العالمي بعشرة تريليونات دولار نتيجة الرسوم .
وقلصت كبريات البنوك الاستثمارية الأميركية لتوقعات نمو الاقتصاد الأميركي ، حيث فلص غولدمان ساكس النمو في الربع الرابع 2025 من 2،2% الى 1،7% ، ومورغان سانلي من 1،9% الى 1،5% .
وتتوقع المؤسسات المالية أن تؤدي الى حدوث سيناريو هبوطي تضخمي وقد تتسبب في حدوث انكماش مفاجئ في الولايات المتحدة وستؤدي الى اضطراب الأسواق في وقت لاحق من 2025 وردة الفعل الانتقامية من الشركاء التجاريين قد تحدث صدمة سلبية للتجارة العالمية وقد تزيد الضغوط على الأسهم غير الأميركية ومن ثم على الأسهم الأميركية، والخطر الرئيسي السلبي سيأتي من التعرفات الجمركية المفرطة ، وقد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر على النمو العالمي في عام 2025 .
ولا يخفي ترمب رغبته في قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة ويسعى لتعزيز نفوذه في صناعة السياسات النقدية ، ويغازل الشركات الأميركية بتخفيضات ضريبية عليها ويلوم العولمة .
وقد أشعل ترمب حرب التجارة العالمية والرسوم الجمركية المتبادلة ، وتعيد رسم خريطة تدفقات النفط العالمية ويمثل الخام الكندي والمكسيكي أكثر من ثلثي اجمالي واردات أميركا من النفط وأصبح مشترو النفط على الساحل الشرقي الأميركي يلجأون الى مصافي تكرير أوروبية .
وفيما يتعلق بمخاطر وتأثيرات التعرفات الجمركية والحروب التجارية في المنطقة العربية ، فتتوقع التقارير الاقتصادية أن تشهد ارتفاعا في أسعار السلع وزيادة في تكاليف المعيشة وارتفاع التضخم ، وستضع تحديات أمام السياسات الاقتصادية في المنطقة وقد تؤدي الى تباطؤ نمو دخل الشركات العالمية مما سينتج عنه تباطؤ اقتصادي عالمي ، وسيمتد التأثير الى القطاع الصناعي ومن ثم انخفاض الطلب على الطاقة ، وستكون الدول التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة هي الأكثر تأثرا بالتباطؤ الاقتصادي ، وسيتأثر سوق العمل في حال اتخاذ الشركات تدايير لتقليص التكاليف ، وستتأثر ايرادات الشركات العالمية وأرباحها مما يؤدي الى تراجع بأداء أسواق المال ، والتأثير سيكون عميقا على القطاع البنكي العالمي وشركات التأمين .