أمريكا من الاحتكام إلى الحكم ! د. حازم قشوع

4٬261
الشعب نيوز:-

مع نهاية الحرب العالمية الباردة أصبحت أمريكا مرجعية احتكام لبيت القرار الأممي، وكانت تدير طيلة الفترة السابقة الشؤون الدولية من داخل أروقة المؤسسات الدولية وضمن القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها والأطر القانونية المتوافق عليها، باعتبارها بيت القرار وعنوانه واحترامها واجب تتطلبه السيادة الدولية في حفظ الأمن الدولي والإقليمي، لكن أمريكا كانت مكتفية بدور المرجعية الإقرارية لبيت القرار الدولي من باب تمتعها بواسع نفوذ يتيح لها فرض قوتها على بيت القرار الأممي وسياساته، كما كانت تنفق لبرنامج الهيمنة الأممية أموال ضخمة على المجتمعات كما على الدول وعلى الحلف العسكري الاضخم الذي تتزعمه فى السيطرة على المفاصل الرئيسة للحركة الأممية في جيوبها الإقليمية، وهذا ما جعلها وفق مرجعية الاحتكام لهذا من السيطرة النقدية على حركة السيولة العالمية والسيطرة الاقتصادية بواسطة السيطرة على حركة التجارة الدولية، الأمر الذي جعلها تشكل صوت الغلبة وعنوانها عبر سيطرتها شبه المطلقة على بيت القرار الأممي الذي تستضيفه واغلبيه مؤسساته في العاصمة الأممية نيويورك.

ولقد أخذت هذه السياسة بالتغير التدريجي وتستهدف الوصول بالولايات المتحدة من منزلة مرجعية القرار إلى مكانة بيت الحكم للقرار، وهذا ما استدعى من كلا الحزبين يتفقان حول برنامج العمل هذا بكل مضامينه مع التباين المشروع فى السياسات والإجراءات، وهي أرضية العمل الذى قام بتنفيذها الرئيس جو بايدن متبعا بذلك سياسة الاستنزاف لإرهاق الخصوم حيث راح فيها يعمل لتضييق روافد العمل الاقتصادية على الصينيه عبر الحصار العسكري الذي فرضه في حوضها من قبل استراليا واليابان والفلبين.

كما قام باستنزاف الموارد الأوروبية والروسية من خلال نقطة اشتباك أوكرانيا كما قام بالسيطرة على منابع البترول من خلال هيمنة أمريكا عبر إسرائيل على المنطقة من خلال البدء بتقليم المخالب الإيرانية وروافدها، وهذا ما جعل من فتره بايدن الرئاسية فتره مليئه بالاحداث العنيفة والقاسية على المجتمعات الأوروبية نتيجة حرب الاستنزاف التى طالت روسيا كما الاتحاد الأوروبي كما فى الشرق الاوسط بعدما استطاعت أمريكا من تقطيع الاذرع الايرانية وحوصلت إيران وبرنامجها النووي، لتنتهي فترة رئاسة الديمقراطيين بقرار استبدال الرئيس بايدن بالرئيس ترامب لاستكمال برنامج حكم لكن وفق سياسات جديدة تنقل العمل من سياسة تقوم على الجيوسياسية إلى أخرى تقوم على الجيواقتصادية.

وهو البرنامج الذي يحتوي على آليات عمل حديثه الغالبية العظمى منها سلمية لكنه تحتوي على متغيرات جوهرية عميقة تطال القطاعات المالية مع دخول برنامج العملة النقدية في بيان المحصلة، واخرى اقتصادية تقوم على إعادة توطين نماذج العمل الاستثمارية الخاصة في الصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي والأخرى المتممة لذلك فى داخل الجغرافيا السياسية للولايات المتحدة، والعمل في ذات السياق على توسيع حدود الولايات المتحدة من الناحية القطبية لتشمل غرينلاند كما كندا في الأبعاد الاستراتيجية لغايات السيطرة على ثروات المحيط المتجمد الشمالي مستبدلة بذلك الجغرافيا السياسية لأوروبا بالجغرافيا الضمنية لغرينلاند وكندا بما تشكله من مدخل للناحيه القطبيه فى المتجمد الشمالي، وهذا ما قد يستدعي من الولايات المتحدة تقديم نظام حوافز كبير للمملكة المتحدة وآخر واسع ومجزي للشعب الكندى حتى تنال أمريكا ما تريده بهذا المقام استراتيجيا.

وهو ذات الأمر الذي ينطبق على أوكرانيا لتكون منطقة عازلة لا تدخل الحلف الأطلسي على أن يتم حمايتها عبر نماذج السيطرة الاقتصادية عبر غطاء اتفاقية المعادن الذى تسعى أمريكا عبرها للبقاء فى أوكرانيا من مدخلها الاقتصادي، وهذا ما يعنى أن أمريكا ستعمل على بسط نفوذها العالمي بمنأى عن حلف الناتو كونه يكبد الولايات المتحدة كلف باهظة يمكن خفضها بالاستغناء عن الناتو والاتحاد الأوروبي وعن دوره فى بيان جمل التنفيذ الإجرائية تلك هي أرضية العمل التي يجرى بلورتها حيز الواقع وذلك وفق خطة عمل اجرائية وممنهجه.

كما تقوم الولايات المتحدة بفرض هيمنتها على منطقة المشرق العربي من باب تجفيف منابع الدخل و اذرع ايران في المنطقة وإعادة تشكيل قوام مجتمعاتها الديموغرافي، وهذا ما ينطبق على العراق وسوريا ودول الخليج كما يستحضر مشروع التجزئة الاثنية والمذهبية المنطقة بهدف السيطرة وفرض برنامج الحكم الصادر من البيت الأبيض على المنطقة ومجتمعاتها وفق برنامج عمل يقوم على تأطير الاقليات الاثنية في الأطر العامة للدولة، وهذا ما يعني أن نموذج الفيدراليات في طريقه للتعميد والانتشار فى ربوع المنطقة وكما يتم السيطرة على مداخل ومخارج مضيق باب المندب الاستراتيجية ومضيق هرمز إضافة لمسألة سيطرة أمريكا على غزة دون اتباع نظرية الإقصاء والتجويع المفروضة أمميا لكن عبر اتباع نظرية تغير المحتوى الثقافي فى بيئة الأعمال الفلسطينية وفق آليات تستهدف استخدام الأيدي الفلسطينية للعمل في إنشاء الميناء واستخراج الغاز ودعم الناحية اللوجستية للقاعده العسكريه التى تريد أن تنشئها سيتكوم فى الخاصرة البحرية المتممة لقطاع غزة من ناحية سيناء للسيطرة على مثلث الغاز المركزي في شرق المتوسط والشروع بإنجاز قناة بحرية بديلة عن قناة السويس.

وفي حال نجاح بيت القرار الأمريكي لذلك فإن أمريكا في حينها يمكنها أن تكون حاكمة للعالم الحديث بدون شراكات عضوية مع الاتحاد الأوروبي، لكن عبر تفاهمات جيو استراتيجية مع روسيا واخرى جيو اقتصادية مع الصين، وهذا ما سيجعل من أمريكا تحظى بمكانة تاريخية كتلك التى حققتها بريطانيا العظمى فى القرن المنصرم، فهل ستكون موارد المتجمد الشمالي توازي لموارد الولايات المتحدة عند اكتشافها ويكون بذلك المحيط المتجمد الشمالي عالم القيادة ومدخل الروابط القطبية الجامعه ؟ وهذا ما تجيب عنه السياقات القادمة من رحم التفاهمات التي يجري الإعداد لها ميدانيا قبل موعد قمة ترامب بوتين القطبية.

ان الأردن وهو يتابع حركة المتغيرات العالمية السائدة ويستشرف مآلات نتائجها، فان الاردن ومن وحي قراءته الدقيقة لمجريات الأحداث فإنه سيبقى يعمل من أجل حفظ أمن المنطقة ومن أجل السلم الأهلي والمجتمعي في ربوعها عبر تدعيم الروابط المفصلية التى ستسهم فى قطع الجيوب الإقليمية الداخلة فى المنطقة العربية، على ان لايكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية وبيان قرارات الشرعية الدولية بما فى ذلك القدس العربية الهاشمية كما سيبقى الأردن يسهم بشكل موصول من أجل توصيل شريان الطاقة والكهرباء ليشكل سوريا ولبنان وفلسطين كما العراق ومصر، وذلك من أجل دعم الروابط الأساسية التى تسهم فى حفظ أمن المنطقة واستقرار شعوبها، وهو ما يسهم فى بناء شراكات قائمه على التعاون البناء من أجل روابط بينية متينة تسهم بتوثيق العلاقات الأردنية الأمريكية وتوثيق محتواها لبناء حواضن عمل استراتيجية وفق شراكات تقوم على معادلات الحكم ونماذج الاحتكام.

قد يعجبك ايضا