لا عهد لهم.. ذاكرة السمكة..! عمان – كتب : اشرف محمد حسن

الشعب نيوز:-

تمتلك السمكة اضعف ذاكرة نقول دائمًا لمن ينسى ما فعله فور حدوثه بأن لديه ذاكرة سمكة، فالسمكة تأكل الطعم من السنارة وقد تفلت منها ولكنها تعود مرة ثانية، لذلك يضرب الناس الأمثال بذاكرة السمكة القصيرة لكل من لا يتأثرون من تجاربهم السابقة ولا يتعظون بماضيهم، فيقال إن له ذاكرة سمكة فلا يتذكر ما حدث وأنها كائنات محدودة الذكاء، وبعد إجراء بعض الاختبارات والتجارب على السمكة الذهبية تم إثبات قدرة الأسماك على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها وتطبيقها بعد مدة من الزمن الا انها وبشكل عام تبقى ذاكرتها الأضعف بين المخلوقات .
عقب ما تسرب من صور من داخل قطاع غزة تظهر بعض جرائم الاحتلال الصهيوني ورغم المحاولات المستميتة لحجبها عن شعوب العالم التي اثارة تعاطفاً واسعاً مع الشعب الفلسطيني والتي باتت تضغط على حكوماتها رغم محاولات اسكاتها كونها تضر بمصالح البعض من حكام تلك الدول المرتبة بمصالح الكيان الصهيوني الا ان تزايد الضغط الشعبي في تلك الدول سبب الاحراج الكبير لانظمتها التي تصف نفسها بالديمقراطية، كان لابد لها من محاولات استرضاء شعوبها بالضغط على الكيان الصهيوني لوقف عدوانه وابادته الجماعية المتصاعدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني الا ان الكيان الصهيوني ضرب بعرض الحائط بكافة تلك المحاولات بل اتهم اغلبها بمعاداة السامية جاء موقف الاتحاد الأوروبي بمراجعة علاقته مع الكيان الصهيوني حيث رحبت به منظمة العفو الدولية، حيث قالت إيف غيدي، مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية التابع لمنظمة العفو الدولية، “على الرغم من أنها خطوة أولى مُرّحب بها، إلا أنها جاءت متأخرة بشكل كارثي. حيث إن المعاناة الإنسانية التي يتكبّدها الفلسطينيون منذ 19 شهرًا لا توصف” كما اشارت الى ان الكيان يواصل ابادته الجماعية وسط “إفلات مروع من العقاب”. وقالت إنه بسبب تقاعس الاتحاد الأوروبي، بل بدعم من بعض دوله الأعضاء، “يتجرّأ قادة إسرائيليون على المجاهرة بأهدافهم المتعلقة بالإبادة الجماعية”، وفي الوقت الذي يواجه فيه الكيان الانتقادات الواسعة الا انه وبدعم امريكي يواصل جرائمه دون رادع وأثارت صور قتل تسعة من أبناء الدكتورة آلاء النجار، طبيبة الأطفال حين دخلت إلى غرفة الطوارئ، ليس كمنقذة، بل كأم مكلومة تواجه مشهدا قاسيا، حيث وجدت جثامين أطفالها، أشلاء متفحمة بين أيدي زملائها، في أروقة الطوارئ التي اعتادت أن تمنح فيها الحياة المزيد من الانتقادات لجرائم جيش الاحتلال الصهيوني تداولت منصات التواصل مقطعا مصورا يوثق لحظة خروج الطفلة ورد جلال الشيخ خليل من قلب النار وهي تصرخ وتبكي، في وقت استشهدت فيه والدتها و6 من أشقائها، ولم يتبقَ لها من عائلتها سوى والد جريح، حالته حرجة، ويصارع الموت داخل المستشفى عقب استهداف جيش الاحتلال مدرسة في حي الدرج بشكل مباشر، مما أدى إلى استشهاد 36 فلسطينيا نصفهم من الأطفال، في حين أُصيب العشرات بحروق خطيرة، ونُقلوا إلى مستشفيات المدينة المنهارة بفعل الحصار والقصف الصهيوني المتواصل، وهزّ هذا المشهد مشاعر العالم، وأعاد التذكير بأن المجازر ليست مجرد أرقام، بل روايات موت ونجاة، وأجساد صغيرة احترقت وهي تحلم حيث ترتكب قوات الاحتلال مجازر يومية بحق المدنيين في ظل صمت دولي مطبق وتُضاف مجزرة حي الدرج إلى سجلّ الجرائم التي يصرّ الاحتلال على ارتكابها ضد أطفال ونساء نزحوا من منازلهم هربا من القصف، ليلقوا حتفهم في مكان يُفترض أنه آمن، الا ان احد لم يوقف تلك الجرائم رغم التعاطف الدولي المتعالي ولكن ..العالم ينسى وبسرعة تفوق سرعة نسيان السمكة..!
اود الإشارة هنا الى انه في عام 2018 قالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة انذاك، نيكي هايلي: إن هناك أكثر من 700 قرار لإدانة الكيان الصهيوني، بالمقابل لا يوجد أي قرار يدين حركة حماس وكان ذلك خلال كلمة لها أمام جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ للتصويت على مشروع قرار أمريكي بإدانة حركة حماس، بدعوى أن منهج حماس يعمل لتدمير الكيان الصهيوني حيث فشلت ، بتمرير مشروع ذلك القرار في ذلك الوقت ورغم ان الكيان الصهيوني هو الأكثر ادانة آنذاك الا ان احد لم يتحرك لانصاف الشعب الفلسطيني او حمايته من بطش الصهاينة كون العالم لا يمتلك اكثر من ذاكرة سمكة..!
اذكر هنا انه في عام 1982 م اثارت صور تناقلتها وسائل الاعلام صدمة كبيرة للمجتمع الدولي وكافة المنظمات الإنسانية وأثارت تعاطفاً دولياً وعالمياً كبيراً مع الشعب الفلسطيني عقب المجزرة الأشهر في ذلك الوقت حيث شهد مخيما صبرا وشاتيلا للّاجئين الفلسطينيين في لبنان أعمال قتل جماعية، استمرت ثلاثة أيام 16 و17 و18 سبتمبر/أيلول، وراح ضحيتها مئات القتلى لم يُحاسب أي شخص أمام القضاء اللبناني أو الدولي وذكرت بعض المصادر آنذاك أن عدد القتلى الذي استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906 ضحايا، بالإضافة إلى 408 أشخاص في عداد المفقودين والمخطوفين وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث وفي فبراير/شباط 1983، وجدت لجنة الأمم المتحدة أن “السلطات أو القوات الصهيونية كانت متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في تلك المجازر وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على تاريخ المجزرة التي وقعت رفضت محكمة بلجيكية في عام 2002 قضية رفعها عشرات الناجين من صبرا وشاتيلا ضد شارون على أساس أنه لم يكن حاضرا في المحكمة، على الرغم من قانون صدر عام 1993 يسمح لبلجيكا بمحاكمة الأجانب بتهمة ارتكاب جرائم حرب في الخارج ،ولم يحاسب احد عن تلك الجرائم رغم التعاطف الدولي التي اثارتها تلك الصور مع الشعب الفلسطيني في وقتها كون العالم بذاكرة سمكة..!.
وصباح يوم الجمعة 15/رمضان/الموافق 25 فبراير/شباط 1994، دخل الطبيب الصهيوني باروخ غولدشتاين إلى قاعة الحرم الابراهيمي بالخليل مرتديا خوذته وزيه العسكري حاملا مسدسا وبندقية وحقيبة مليئة بذخائر الرصاص، وانتظر سجود المصلين وأطلق عليهم سلاحه الرشاش وأسفرت المجزرة عن استشهاد 29 مصليا وإصابة 129 آخرين، بينما وُجد غولدشتاين مقتولا بإحدى زوايا المسجد الغربية، اعتقدت الشرطة أنه أطلق النار على نفسه، ولكن تبين لاحقا أنه تعرض للضرب بقضيب حديدي أدى لوفاته اثارت تلك الصور آنذاك تعاطفاً دولياً وادانات دولية واسعة للكيان الصهيوني عقب ما ظهر من صور من تلك المجزرة ادان مجلس الامن الدولي هذه المجزرة يوم 18 مارس/آذار 1994، ودعا لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما في ذلك نزع سلاح المستوطنين ..الا ان شيء من هذا لم يحدث كون المجتمع الدولي لا يملك سوى.. ذاكرة سمكة..!.
وفي قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000 م شاهد العالم ككل حادثة مقتل محمد الدرة ، في اليوم الثاني لانتفاضة الأقصى ذلك العام، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، حيث التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بقناة “فرنسا 2” مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه أحدهما بالآخر، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي على ساقي أبيه وقد اثارة صور لحظة استشهاده تعاطفاً دولياً واسعاً آنذاك مع القضية الفلسطينية حيث ادانت دول عديدة قوات الاحتلال تعمد قتل الأطفال الفلسطينيين فقد خلفت سبعة أيام من الاشتباكات الدموية استخدمت فيها قوات الاحتلال الدبابات والمروحيات لقمع المتظاهرين الفلسطينيين أكثر من 60 شهيدا وأكثر من ثلاثة آلاف جريح بينهم عدد غير قليل أصيب بجروح خطيرة استهدفت الأجزاء العليا من الجسم خاصة الرأس والصدر. وانتقلت ثورة الغضب الفلسطيني على رد الفعل الإسرائيلي العنيف في ضرب المحتجين على زيارة شارون للحرم القدسي في اليومين الأولين إلى جميع المدن والقرى في الضفة الغربية وقطاع غزة. ووجهت مستشفيات القدس نداء عاجلا انذاك للمنظمات الدولية بتوفير الدعم الطبي لإسعاف الكم الهائل من الجرحى في صفوف الفلسطينيين وقد تضامن فلسطينيو 48 مع فلسطيني الضفة والقطاع وأعلنوا إضرابا عاما وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات احتجاج أسفرت عن وقوع اشتباكات في عدد من المدن والقرى العربية داخل الخط الأخضر، أدت إلى إصابة العشرات بجروح بعضها كانت خطيرة. كما استشهد من عرب الخط الأخضر 13 شخصا برصاص الشرطة الصهيونية. ورغم ما صدر عن غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي من إدانة للكيان الصهيوني لاستخدامه المفرط للقوة ضد المدنيين الفلسطينيين الا ان لم يحاسب احد عن ذلك ولم يعاقب الكيان ولم يحاول احد حماية الشعب الفلسطيني رغم معرفة المجتمع الدولي بحقيقة المجتمع الصهيوني الاجرامية الا ان العالم.. بذاكرة سمكة..!
وفي عام 2001 اثارت صورة استشهاد الطفلة الرضيعة إيمان حجو تعاطفاً دولياً اخر ومن ابرز التعليقات آنذاك هو رد واشنطن حيث وصفته بأنه “مأساة فظيعة”. وعقبت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على توغلات جيش الاحتلال الصهيوني في مناطق السلطة الفلسطينية فقالت إن “التوغل الصهيوني تصعيد خطير”..!
كثيرة هي الصور التي وثقت جرائم الكيان الصهيوني على امتداد تاريخه الاجرامي من تأسيسه وحتى اليوم ولا مجال لحصرها وبتزايد مستمر الا انه لم يحاسب ولم تتخذ اية اجراءات حازمة لالزام الكيان الصهيوني بالتقيد بالمواثيق والاعراف الدولية بل لا تزال تلتزم الصمت ازاء جرائم الكيان الصهيوني بحق ابناء الشعب الفلسطيني الا ان المجتمع الدولي وبشكل عام متواطئ مع الكيان الصهيوني اذ بلغ عدد شهداء الشعب الفلسطيني منذ انطلاق معركة طوفان الاقصى يوم 7/اكتوبر/تشرين الثاني/2023 م والتي كانت في الاساس رد بسيط على جرائم الاحتلال الصهيوني المتكررة بحق ابناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية حيث ارتكب جيش الاحتلال الصهيوني وبدعم أميركي مطلق إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين من المدنيين واغلبهم من النساء والاطفال وامام سمع وبصر المجتمع الدولي دون ان يتخذ المجتمع الدولي اجراء حازم لوقف هذه الجرائم والابادة الجماعية كونهم لا امان.. ولا عهد لهم..!

قد يعجبك ايضا