عمار علي حسن يكتب : د. أسعد عبد الرحمن يسلط الضوء على عيوبنا الآن

الشعب نيوز:-

سألت المفكر السياسي البارز، وأحد رموز الكفاح الفلسطيني المتواصل، ورئيس هيئة المديرين بالمدارس العصرية في الأردن حاليا، الدكتور أسعد عبد الرحمن، أن يعدد لي بعض عيوب العرب المعاصرين، من واقع دراساته وخبرته السياسية والإدارية الطويلة، في معرض حديث دار بيننا قبل أن أحل ضيفاً على المدارس العصرية لإلقاء محاضرة عن عيوب التفكير التي تعرقل مسارنا الحياتي الراهن، فأجابني أن أول عيب هو عدم الاعتذار عن الخطأ، وقال «لي شبكة علاقات ممتدة، وقلمَّا أجد أحدًا يُخطئ ثم يعتذر، أو يقوم بنقذ ذاتي. هذه ممارسة ضئيلة جدًا، لمستها خلال خبرتي في إدارة مؤسسة عبد الحميد شومان، وعملي بجامعة الكويت، ومؤسسة فلسطين الدولية، والمدارس العصرية، وكم يؤلمني هذا الاستنتاج».

والعيب الثانى، كما يراه، يتعلق بإهدار الوقت، فنحن فى نظره من أبلغ خلق الله حين نتحدث عن الوقت وأهميته، فنقول «الوقت من ذهب»، و«الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك» إلى آخر هذه التمجيدات، ولكن حياتنا الإدارية تعج بالتأخير والتأخر، ثم خلق الأعذار الواهية.

أما العيب الثالث فهو ميل الأغلبية الكاسحة إلى مركزية القرار، وهنا يقول: «كم شجعتُ خلال عملى الإدارى على اللامركزية، وأعطيت المرؤوسين تفويضاً تلو آخر، حتى يقوم كل منهم بدوره، لكنى وجدت حالة من فقدان الثقة والمبادرة والمبادأة من الآخرين، وكان علىّ، وبشكل مستمر، أن أتابع التكليفات، ولا أحصل فى كثير من الأحيان على أجوبة شافية كافية عن أسئلتى».

يستفيد الدكتور أسعد عبدالرحمن، الذى بلغ الثمانين من عمره، فى نهجه من دراسته للعلوم السياسية، التى علمته كيف يأخذ من مرؤوسيه أفضل ما لديهم، كلُ على قدر طاقته، ومن تخصصه الأكبر فى الإدارة العامة الذى علّمه ما ينبغى أن تسير عليه المؤسسات والهيئات والمنظمات الناجحة. وهنا يقول: ألخص تجربتى، فى أن على المدير عبء المتابعة ثم متابعة المتابعة بلا انتهاء، فلا شىء ينجَز، لفقدان روح المبادرة. وخوف الموظفين من اتخاذ القرار. وهذا شىء مؤلم ومعيق».

ويدور العيب الرابع فى نظر الرجل حول تضخم «الأنا» أو «الإيجو العالية»، وغياب فضيلة «إنكار الذات»، ويرى أن بعض الإحساس بالذات يكون مفيداً، ويعمل كمحفز لا يمكن نكرانه، شرط ألا يصل هذا بالفرد إلى نوع من الغرور المرضى. ويقول فى هذا الصدد: «من واقع تجربتى أرى أن تضخم الذات صار العنوان الأبرز، سواء فى أوساط المثقفين والمفكرين أو بين القائمين على التنظيمات والفصائل والأحزاب السياسية، التى تعانى كلها تقريباً من إعلاء الولاء للفصيل على الولاء للقضية، وهو نوع من مرض العصبية التى تجعل المرء يركز على حزبه وتنظيمه أكثر مما يركز على القضية».

والعيب الخامس فى نظر أسعد عبدالرحمن هو تدنى ثقافة التبرع والتطوع فى حياتنا، فوجودها ضعيف، وتخضع كثيراً للنفاق والكذب والمداراة والمسايرة والتماس الأعذار بلا حد، وفى هذا الشأن يقول: «أدركتُ ثقافة التبرع منذ كان عمرى ستة عشر عاماً، حتى صار البعض يصفنى برئيس هيئة أركان الشحذة الوطنية، فلدىّ خبرة واسعة فى هذا المجال. وأحياناً أقول إن الله يعرف هذا العيب فى تفكيرنا ونفسياتنا، ولذلك أمرنا بالزكاة».
ويضيف «فى حياتى العملية الطويلة وجدت شيوخاً ومتدينين من المسلمين والمسيحيين لا يمدون أيديهم إلى جيوبهم، رغم أنهم يتحدثون ليل نهار عن الخير ودعم العمل الوطنى. بل إن هؤلاء يتهربون مما هو واجب عليهم بالإغفال تارة وبالاحتيال تارات. وقد ضغط علىّ هذا الأمر حتى وجدتنى أكتب ثلاث مقالات عن الإنفاق ببذخ فى حفلات الأعراس، بعد أن وجدت أن أصحابها لديهم استعداد لدفع أموال طائلة فى حفل يستغرق ساعات قليلة، لكنه بخيل جداً، حين نطلب منه تبرعاً لخير عمومى».

الدكتور أسعد عبدالرحمن الذى يرى أن «المقاومة الثقافية هى بديل مضاد لثقافة الهزيمة والهيمنة وانتهاك الحقوق الوطنية، وهى صورة لثقافة الحريات والعدالة وكرامة الإنسان والوطن» أضاف بحديثه هذا إلىَّ الكثير إلى تصورى عن عيوب التفكير عند العرب المعاصرين، والذى تتضمنه محاضرتى، ومنها: ندرة الأفكار الخلاقة، والثرثرة الفارغة، وتغليب الفهم بالأيديولوجيا على الموضوعية، وركود التفكير، وغلبة المشافهة والثقافة السمعية، وإساءة فهم ما قيل، والانحراف كثيراً عن جوهر الحديث، واستمراء الاستعراض، والاستسلام للشكوى، والوقوع فى التناقض، ووجود الأمية المنهجية، وتحول التعليم إلى مجرد تعاليم.

ــ الوطن المصرية

قد يعجبك ايضا