
االمرأة في العقل العربي .. بين قِناع الحداثة ، وواقِع القرون الوسطى د. لينا جزراوي
الشعب نيوز:-
نحب أن نتصوّر انفسنا في العالم العربي شعوبًا دخلت عصر الحداثة . هواتف ذكيّة ، جامعات خاصّة ، وزيرات في مناصب عُليا ، وبرامج تمكين المرأة تلمع في نشرات الأخبار. لكن الحقيقة أن كثيرًا من هذه المظاهر لا تختلِف عن واجهات المحلّات الفارغة : لافتة حديثة ، ومخزن قديم يبيع البضاعة نفسها منذ مئات السنين.
وبينما نضع صور النساء في الإعلانات عن النهضة والتنمية ، مازلنا نُناقِش في مجالسنا اذا كانت المرأة يحقّ لها أن ترِث مثل الرّجل! فنحن نجيد ارتداء قناع الحداثة ، لكن تحت القناع عقل لم يُغادر القرون الوسطى .
فرغم التحولات الهائلة التي شهدتها المجتمعات العربية ، في التعليم ، والتكنولوجيا ، والمؤسسات الحديثة ، مازالت المرأة تُعامل في كثير من السّياقات باعتبارها كائنًا أدنى مرتبة من الرّجل. هذه المفارقة – حداثة في الشّكل وتخلّف في المضمون – ليست محض صدفة ، بل نتاج بُنية ذهنيّة وثقافيّة عميقة.
نحن في زمن تتغيّر فيه المفاهيم والتقنيات والوقائع بين مساء و صباح، ومع ذلك مازال هناك من يُعلّق عقله عند بوّابة القرون الوسطى، حيث كان يُنظر الى المرأة على أنها نصف انسان .
فكيف يمكن تفسير أب يورّث إبنه ، ويحرِم ابنته نفس الحق ؟ أي عقل سقيم هذا !! من يُصرّ على هذه الرؤية لا يعيش بيننا الّا شكلًا، أما مضمونًا فهو عالِق في زمن مضى ، كانت فيه هذه الأفكار انعِكاسًا لواقِع المجتمع آنذاك. أما اليوم ، فالتمسّك بها ليس إلّا افلاسًا فكريّا، وانفِصالًا عن الواقِع. بعض العقول تلمع من الخارِج كالهاتِف الجديد ، لكنّها فارغة من الدّاخل كعُلبة أكلها الصّدأ.
إن هذه النظرة القاصِرة ضدّ المرأة في مُجتمعاتنا العربيّة ليست مجرّد ظاهرة اجتِماعيّة يُمكن مُعالجتها ببرامج توعية، أو قوانين ، بل هي نتاج بُنية ثقافيّة تصوّر المرأة ككائِن عاطفي ضعيف وأقل عقلانيّة من الرجل، لذلك لا تستحقّ نفس المكانة التي تُمنح له .
تنعكس هذه العقليّة على كل تعاملاتنا وسلوكيّاتنا المجتمعيّة مع النّساء ، ومنها حِرمان المرأة من الميراث . إن استمرار هذا المنطِق الرّجعي يعكِس تحدّيًا حقيقيا أمام مشروع التّحديث في مُجتمعاتنا ، اذ لا يكفي تحديث الشّكل دون تحديث الجوهر الفكري والثقافي.
المرأة في العقل العربي ليست مجرّد قضيّة اجتماعيّة أو حقوقيّة فحسب، بل هي مرآة تعكِس مدى قدرة هذا العقل على التغيير والتقدّم. إذا اردنا مُجتمعًا عصريًّا يحترِم التنوّع، فلا بدّ من مواجهة هذا التّراث الفكري البالي، وإعادة صياغة العلاقة بين الرّجل والمرأة على أسس جديدة، تعبّر عن روح العصر وتضمن العدالة للجميع.
مدرّسة الفلسفة والتّفكير الناقِد
جامعة الاميرة سميّة