كلٌّ يراها من منظوره الشخصي بقلم: نادية إبراهيم نوري

الشعب نيوز:-

 

تراثنا العربي زاخر بالقصص التي تحمل العِبر والمواعظ، وعلى بساطتها تكمن رسائلها العميقة.

يُحكى أن شيخ قبيلة تقدّم به العمر ووهن عوده، فأصبح أكثر قلقًا على مستقبل قبيلته بعد رحيله. استرجع سنين حكمه التي ورثها عن أبيه، وكيف سعى طوال عمره للحفاظ على مكانة قبيلته بين سائر القبائل. ومع انشغاله بالتفكير، جافاه النوم، فقرّر أن يستشير حكماء القبيلة في اختيار من يخلفه في الحكم من أبنائه الثلاثة.

دعا الشيخ أعيان القبيلة وحكماءها وفرسانها، ومعهم أبناؤه الثلاثة، وطرح عليهم السؤال:
“من ترون أن يتولى أمر القبيلة من بعدي؟”

تعجب الحضور، فالعُرف جرى أن يخلف الابن الأكبر والده، لكن الشيخ أصرّ على سماع آرائهم. أجمع الجميع على اختيار الابن الأكبر، لما عُرف عنه من حكمة ومواظبة على الصلاة.

قال الشيخ: “قبل أن أعلن قراري، سأرسل أبنائي الثلاثة إلى المدينة، إذ أفكر في فتح باب التجارة معها لتوسيع نشاط القبيلة وتعزيز قوتها”.

شدّ الإخوة الثلاثة الرحال إلى المدينة ومعهم مشغولات يدوية لبيعها، وبعد أيام عادوا، فاستقبلتهم القبيلة بالأهازيج والفرح. تركهم والدهم ليستريحوا، ثم عقد مجلسًا ليروي كلٌّ منهم ما شاهده في رحلته.

قال الابن الأكبر: “رأيت العجب يا والدي! مساجد كثيرة في كل شارع، حتى احترت أين أصلّي، فكنت أنتقل من مسجد لآخر.”
ابتسم الشيخ وربت على كتفه قائلاً: “صدقت.”

جاء دور الابن الثاني فقال: “الأسواق مزدحمة بالناس من كل جنس، والبضائع وفيرة ومتنوعة، والنساء والرجال يتزاحمون في البيع والشراء.”
قال الشيخ: “صدقت.”

أما الابن الثالث فقال: “رأيت مساكن مشيدة، وشوارع منظمة، وأشجارًا وزرعًا على مد البصر. تمنيت لو نعيش في المدينة أو نطوّر قبيلتنا لتصبح بجمالها.”

تنهد الشيخ وقال: “كلٌّ منكم رأى المدينة من منظوره الشخصي؛ من تعلّق قلبه بالمساجد لم يرَ سواها، ومن انشغل بالهدف الذي أُرسل من أجله اتجه للأسواق ليتعرف على احتياجاتها واحتياجاتنا منها، أما أنت يا ولدي الثالث، فقد أسرتك أنوار المدينة وأبنيتها، فكرهت أرضك وجذورك، ومن لا يعتز بأهله وموطنه لا يصلح لقيادتهم.”

ثم أضاف: “أما الابن الأكبر، فبرغم إيمانه وتعلقه بالمساجد، إلا أن شيخ القبيلة يجب أن يجمع بين التدين والقدرة على إدارة شؤون الناس، وتطوير معيشتهم، والحفاظ على ترابطهم.”

العبرة:
هذه القصة تذكّرنا بأن كل إنسان ينظر إلى الأشياء من زاويته الخاصة. فالإنترنت مثلًا، يراه بعضهم مضيعة للوقت والصحة، بينما يستخدمه آخرون للتسلية، ويراه آخرون باب رزق ومصدر عمل، وقد استفادت منه أسر كثيرة.

كل شيء في الكون له وجهان، ونحن نختلف في طريقة النظر إليه تبعًا لاهتماماتنا وتجاربنا. لذلك، علينا أن نحسن الاستماع لآراء الآخرين، ونتعاون معًا للنهوض بمجتمعاتنا وأوطاننا

قد يعجبك ايضا