الأمم المتحدة تنتقد الدوحة بشدة بسبب قضية طيب بن عبد الرحمن

الشعب نيوز:-

 

لطالما قدّمت القيادة القطرية نفسها كراعٍ عالمي للحوار وحقوق الإنسان والدبلوماسية التقدّمية. فمن رعاية جهود الوساطة في النزاعات الدولية إلى استضافة أحداث عالمية مثل كأس العالم لكرة القدم، عملت الدوحة على ترسيخ صورة الدولة الصغيرة التي تلعب دورًا أكبر من حجمها على الساحة الدولية.
لكن وراء هذه الواجهة الدبلوماسية المصقولة تكمن حقيقة أكثر قسوة — حقيقة كشفتها الأمم المتحدة في حكمها القاطع بشأن الاعتقال التعسفي وتعذيب المواطن الفرنسي طيب بن عبد الرحمن.

في واحدة من أشد إداناتها حتى الآن، أعلنت فرقة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاعتقال التعسفي أن قطر انتهكت المبادئ الأساسية للقانون الدولي باعتقالها وتعذيبها والحكم على بن عبد الرحمن غيابيًا.
هذا القرار لم يجرّد الدوحة من صورتها المصطنعة فحسب، بل سلط الضوء أيضًا على الصمت المدوي لفرنسا أمام محنة أحد مواطنيها.

تطهير سياسي مقنّع بالعدالة

تحمل قصة طيب بن عبد الرحمن جميع سمات التطهير السياسي. فبعد أن كان مستشارًا موثوقًا لدى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، جاءت سقطته المفاجئة مطلع عام 2020 باعتقال سري وتعذيب وابتزاز قانوني.

في 13 يناير من ذلك العام، اعتقلته قوات الأمن القطرية دون مذكرة أو مبرر، واقتادته إلى مركز احتجاز سري حيث عانى شهورًا من العزلة والحرمان من النوم والإكراه.

ويفصّل تقرير الأمم المتحدة انتهاكات مروّعة — تهديدات ضد عائلته، إجباره على أوضاع مرهقة، واستجوابات متكررة تهدف إلى انتزاع اعترافات كاذبة. لأكثر من ستة أشهر، حُرم من حقه في محامٍ، ومن الحماية القنصلية الفرنسية، بل ومن خدمات الترجمة الأساسية.
كان الهدف واضحًا: إسكات شخص من الداخل أصبحت نزاهته وانتقاداته للفساد أمرًا مزعجًا للنخبة الحاكمة في الدوحة.

وبعد احتجازه السري، وُضع بن عبد الرحمن رهن الإقامة الجبرية المشددة في فندق بالدوحة، تحت مراقبة دائمة، قبل أن يُرحَّل إلى فرنسا في نوفمبر 2020. لكن الكابوس لم ينتهِ مع إطلاق سراحه. ففي مايو 2023، حكمت عليه محكمة قطرية بالإعدام غيابيًا — مستندةً إلى وثائق مزورة واعترافات منتزعة تحت التعذيب.

وقد وصف فريق العمل الأممي هذه الإجراءات بأنها «مشوبة بانتظام بانتهاكات جسيمة»، في إدانة لا لبس فيها لاحتقار قطر لمعايير المحاكمة العادلة. وباختصار، كشف الحكم الحقيقة المظلمة: القضاء القطري يعمل أقل كمؤسسة مستقلة وأكثر كذراع للسلطة السياسية.

صمت فرنسا المساوم

إذا كان سلوك قطر يفضح وحشية السلطة المطلقة، فإن صمت فرنسا يفضح نفاق الدفاع الانتقائي عن حقوق الإنسان. فرغم سنوات من النداءات من بن عبد الرحمن وفريقه القانوني، رفضت باريس اتخاذ إجراءات حاسمة أو حتى إصدار انتقادات علنية قوية ضد الدوحة.

والسبب واضح بشكل مؤلم. فلدى فرنسا روابط اقتصادية واستراتيجية وطاقوية عميقة مع قطر — من عقود دفاع إلى استثمارات في البنية التحتية الفرنسية والأندية الرياضية. وحين تكون المليارات من اليوروهات والشراكات الاستراتيجية على المحك، تصبح حقوق المواطن ضحية مزعجة للبراغماتية السياسية.

ولأمةٍ كثيرًا ما تعظ الآخرين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن تقاعس فرنسا في هذه القضية يقوض مصداقيتها. كيف لباريس أن تتحدث عن حماية الحريات في الخارج وهي تفشل في حماية أحد مواطنيها من التعذيب وحكم الإعدام في الخارج؟

مطالب الأمم المتحدة لا تحتمل التأويل: على قطر أن تعوض بن عبد الرحمن، وتعيد له حقوقه، وتحقق في الانتهاكات، وتلاحق المسؤولين، وتصلح ممارساتها القضائية والأمنية.
إن عدم الامتثال قد يدفع بالقضية إلى مجلس حقوق الإنسان، ما سيجذب تدقيقًا دوليًا أعمق على نظام يُشتبه فيه أصلًا بانتهاكات العمالة واستغلال المهاجرين وقمع حرية التعبير.

فضيحة مزدوجة

في النهاية، فإن قضية بن عبد الرحمن ليست مجرد فضيحة. إنها فضيحة مزدوجة — إساءة استخدام السلطة من قِبل دولة تتصرف بإفلات من العقاب، وتواطؤ دولة ديمقراطية صمتها خيانة للمبادئ التي تدّعي الدفاع عنها.

إن معاملة قطر لبن عبد الرحمن تكشف الفجوة بين خطابها وواقعها، بين تسويقها الدولي المصقول وممارساتها القمعية الداخلية. لكن رفض فرنسا الوقوف إلى جانب مواطنها لا يقل خطورة، وهو تذكير بأن حقوق الإنسان يمكن أن تُضحى بها حتى في الديمقراطيات الغربية على مذبح المصالح السياسية.

إن حكم الأمم المتحدة ليس مجرد توبيخ قانوني، بل هو حساب أخلاقي. فقد كُشف النقاب عن قطر كدولة ما زال الاعتقال التعسفي والتعذيب والانتقام السياسي أدوات للحكم فيها. وفي المقابل، تواجه فرنسا أسئلة محرجة حول استعدادها للدفاع عن مواطنيها عندما يتعلق الأمر بحلفاء أقوياء.

في النهاية، ينبغي أن تكون قضية بن عبد الرحمن جرس إنذار: للدوحة، أن انتهاكاتها لحقوق الإنسان لم يعد بالإمكان إخفاؤها وراء المسرح الدبلوماسي؛ ولباريس، أن الصمت في مواجهة الظلم هو تواطؤ.

قد يعجبك ايضا