يا رب أوقف شتاءك على غزة..بهاء رحال
الشعب نيوز:-
ليس أسوأ من الشعور بالعجز أمام مشاهد الحياة التي بات عليها الناس في غزة، بينما دخل فصل الشتاء وجرفت مياه الأمطار خيام النازحين، وباتوا أكثر عراءً في العراء، وأكثر قهرًا في فصول القهر والعذاب، وقد غرقوا في وحل الأرض وطينها، وهم جوعى وعطشى تحت ويلات حرب الإبادة والقتل المستمر، فترفق بهم يارب، وترفق بحالهم وقد ضاقت بهم الحياة وهم وحدهم في هذا الشقاء، يكابدون الحرب والموت، وليس بوسعهم احتمال معاناة أخرى فوق معاناتهم المستمرة، فأجل شتاءك يارب وأجل المطر والبرد ولتستكين الريح، فلا خير في مطر غزة هذه الأيام، والناس لا ينتظرون مواسم الحصاد كما كانوا يفعلون، فلم يزرعوا أرضًا ولا حقلًا ولا زالوا تحت المذبحة يتضورون جوعًا، ويحاولون البقاء على قيد الحياة، بما استطاعوا فأرضهم يقتطعها الجنود وتدوسها الدبابات وترابها امتلأ ببارود الصواريخ والرصاص، ولم تعد حقولهم مزروعة بالثمار، فما حاجتهم إلى المطر في هذه الأيام المليئة بالفقد والقهر والبرد.
مشاهد الأطفال والنساء والرجال في غزة، بعد المنخفض الجوي الأخير موجعة لكل نفس بشرية، وقد زادت المعاناة وتضاعفت أكثر من ذي قبل، وثقل الألم والوجع، وضاقت حياة الناس حد الرمق الأخير، وامتلأت أيامهم بالطين، فبات القهر سمة لا يرفعها عنهم أحد في هذا العالم المسكون بالضعف والصمت، وباتت أيامهم قاسية فلا يحتمل إنسان ما يعيشه أهلنا في غزة، تحت القصف والخوف ووسط الجوع وظروف الحالة الجوية التي زادت الطين بِله، فتشكلت السيول التي غمرت الخيام والأغطية والفِراش وبقايا الملابس، وعاش الناس وسط البرد غارقين في البلل، تقطر من ثيابهم مياه المطر، ومن عيونهم دموع الحزن والقهر، وقسوة ما يعيشونه.
الخيام تطايرت من شدة الهواء، والمطر أغرق الناس وهم بلا حول يدفع عنهم البلاء، وشكواهم لا يسمعها، والصور التي نراها قادمة من هناك لا تصف كامل المشهد، فالواقع على الأرض أكثر صعوبة من أن يُحتمل.
إن موسم الشتاء هذا العام على غزة ببرده القارس ومطره، يثقل حياة الناس بمزيد من صعوبة العيش، فلا أقسى من شتاء بلادنا، وفي أمثالنا الفلسطينية يقال عن شدة البرد أنه “يقص المسمار”، فكيف سيتحمل الناس هذا البرد في خيام تبللها الأمطار وثياب غمرتها المياه، وأطراف تتجمد من قلة الدفء، وأجساد متعبة ومنهكة، وسط حرب الإبادة التي تستمر بوحشية غير مسبوقة، حيث تتواصل معها كل أشكال المعاناة والألم والفقد.